فصل


قال الفخر :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
لأن الظن هو السبب فيما تقدم وعليه تبنى القبائح، ومنه يظهر العدو المكاشح والقائل إذا أوقف أموره على اليقين فقلما يتيقن في أحد عيباً فيلمزه به، فإن الفعل في الصورة قد يكون قبيحاً وفي نفس الأمر لا يكون كذلك، لجواز أن يكون فاعله ساهياً أو يكون الرائي مخطئاً، وقوله ﴿كَثِيراً﴾ إخراج للظنون التي عليها تبنى الخيرات قال النبي ﷺ :" ظنوا بالمؤمن خيراً " وبالجملة كل أمر لا يكون بناؤه على اليقين، فالظن فيه غير مجتنب مثاله حكم الحاكم على قول الشهود وبراءة الذمة عند عدم الشهود إلى غير ذلك فقوله ﴿اجتنبوا كَثِيراً﴾ وقوله تعالى :﴿إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ﴾ إشارة إلى الأخذ بالأحوط كما أن الطريق المخوفة لا يتفق كل مرة فيه قاطع طريق، لكنك لا تسلك لاتفاق ذلك فيه مرة ومرتين، إلا إذا تعين فتسلكه مع رفقة كذلك الظن ينبغي بعد اجتهاد تام ووثوق بالغ.
ثم قال تعالى :﴿وَلاَ تَجَسَّسُواْ﴾ إتماماً لما سبق لأنه تعالى لما قال :﴿اجتنبوا كَثِيراً مّنَ الظن﴾ فهم منه أن المعتبر اليقين فيقول القائل أنا أكشف فلاناً يعني أعلمه يقيناً وأطلع على عيبه مشاهدة فأعيب فأكون قد اجتنبت الظن فقال تعالى : ولا تتبعوا الظن، ولا تجتهدوا في طلب اليقين في معايب الناس.


الصفحة التالية
Icon