الفاء في قوله تعالى :﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ تقتضي وجود تعلق، فما ذلك ؟ نقول فيه وجوه أحدها : أن يكون ذلك تقدير جواب كلام، كأنه تعالى لما قال :﴿أَيُحِبُّ﴾ قيل في جوابه ذلك وثانيها : أن يكون الاستفهام في قوله ﴿أَيُحِبُّ﴾ للانكار كأنه قال : لا يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه إذاً ولا يحتاج إلى إضمار وثالثها : أن يكون ذلك التعلق هو تعلق المسبب بالسبب، وترتبه عليه كما تقول : جاء فلان ماشياً فتعب، لأن المشي يورث التعب، فكذا قوله ﴿مَيْتًا﴾ لأن الموت يورث النفرة إلى حد لا يشتهي الإنسان أن يبيت في بيت فيه ميت، فكيف يقربه بحيث يأكل منه، ففيه إذاً كراهة شديدة، فكذلك ينبغي أن يكون حال الغيبة.
ثم قال تعالى :﴿واتقوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ عطف على ما تقدم من الأوامر والنواهي، أي اجتنبوا واتقوا، وفي الآية لطائف : منها أن الله تعالى ذكر في هذه الآية أمور ثلاثة مرتبة بيانها، هو أنه تعالى قال :﴿اجتنبوا كَثِيراً﴾ أي لا تقولوا في حق المؤمنين ما لم تعلموه فيهم بناء على الظن، ثم إذا سئلتم على المظنونات، فلا تقولوا نحن نكشف أمورهم لنستيقنها قبل ذكرها، ثم إن علمتم منها شيئاً من غير تجسس، فلا تقولوه ولا تفشوه عنهم ولا تعيبوا، ففي الأول نهى عما لم أن يعلم، ثم نهى عن طلب ذلك العلم، ثم نهى عن ذكر ما علم، ومنها أن الله تعالى لم يقل اجتنبوا تقولوا أمراً على خلاف ما تعلمونه، ولا قال اجتنبوا الشك، بل أول ما نهى عنه هو القول بالظن، وذلك لأن القول على خلاف العلم كذب وافتراء، والقول بالشك، والرجم بالغيب سفه وهزء، وهما في غاية القبح، فلم ينه عنه اكتفاء بقوله تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ لأن وصفهم بالإيمان يمنعهم من الافتراء والارتياب الذي هو دأب الكافر.