ثم قال تعالى :﴿وَمَا تَشَاءونَ إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ وأما في النسب فلا الثالثة : قوله تعالى :﴿لتعارفوا﴾ إشارة إلى قياس خفي، وبيانه هو أنه تعالى قال : إنكم جعلتم قبائل لتعارفوا وأنتم إذا كنتم أقرب إلى شريف تفتخرون به فخلقكم لتعرفوا ربكم، فإذا كنتم أقرب منه وهو أشرف الموجودات كان الأحق بالافتخار هناك من الكل الافتخار بذلك الرابعة : فيه إرشاد إلى برهان يدل على أن الافتخار ليس بالأنساب، وذلك لأن القبائل للتعارف بسبب الانتساب إلى شخص فإن كان ذلك الشخص شريفاً صح الافتخار في ظنكم، وإن لم يكن شريفاً لم يصح، فشرف ذلك الرجل الذي تفتخرون به هو بانتسابه إلى فصيلة أو باكتساب فضيلة، فإن كان بالانتساب لزم الانتهاء، وإن كان بالاكتساب فالدين الفقيه الكريم المحسن صار مثل من يفتخر به المفتخر، فكيف يفتخر بالأب وأب الأب على من حصل له من الحظ والخير ما فضل به نفسه عن ذلك الأب والجد ؟ اللّهم إلا أن يجوز شرف الانتساب إلى رسول الله ﷺ، فإن أحداً لا يقرب من الرسول في الفضيلة حتى يقول أنا مثل أبيك، ولكن في هذا النسب أثبت النبي ﷺ الشرف لمن انتسب إليه بالاكتساب، ونفاه لمن أراد الشرف بالانتساب، فقال :" نحن معاشر الأنبياء لا نورث " وقال :" العلماء ورثة الأنبياء " أي لا نورث بالانتساب، وإنما نورث بالاكتساب، سمعت أن بعض الشرفاء في بلاد خراسان كان في النسب أقرب الناس إلى علي عليه السلام غير أنه كان فاسقاً، وكان هناك مولى أسود تقدم بالعلم والعمل، ومال الناس إلى التبرك به فاتفق أنه خرج يوماً من بيته يقصد المسجد، فأتبعه خلق فلقيه الشريف سكران، وكان الناس يطردون الشريف ويبعدونه عن طريقه، فغلبهم وتعلق بأطراف الشيخ وقال له : يا أسود الحوافر والشوافر، يا كافر ابن كافر، أنا ابن رسول الله، أذل وتجل! وأذم وتكرم! وأهان وتعان! فهم الناس بضربه فقال الشيخ : لا