ثم إنه تعالى قال :﴿وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ﴾ أي لا ينقصكم والمراد أنكم إذا أتيتم بما يليق بضعفكم من الحسنة فهو يؤتيكم ما يليق به من الجزاء، وهذا لأن من حمل إلى ملك فاكهة طيبة يكون ثمنها في السوق درهماً، وأعطاه الملك درهماً أو ديناراً ينسب الملك إلى قلة العطاء بل البخل، فليس معناه أنه يعطي مثل ذلك من غير نقص، بل المعنى يعطي ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص.
وفيه تحريض على الإيمان الصادق، لأن من أتى بفعل من غير صدق نية يضيع عمله ولا يعطي عليه أجراً فقال : وإن تطيعوا وتصدقوا لا ينقص عليكم، فلا تضيعوا أعمالكم بعدم الإخلاص، وفيه أيضاً تسلية لقلوب من تأخر إيمانه، كأنه يقول غيري سبقني وآمن حين كان النبي وحيداً وآواه حين كان ضعيفاً، ونحن آمنا عندما عجزنا عن مقاومته وغلبنا بقوته، فلا يكون لإيماننا وقع ولا لنا عليه أجر، فقال تعالى إن أجركم لا ينقص وما تتوقعون تعطون، غاية ما في الباب أن التقدم يزيد في أجورهم، وماذا عليكم إذا أرضاكم الله أن يعطي غيركم من خزائن رحمته رحمة واسعة، وما حالكم في ذلك إلا حال ملك أعطى واحداً شيئاً وقال لغيره ماذا تتمنى ؟ فتمنى عليه بلدة واسعة وأموالاً فأعطاه ووفاه، ثم زاد ذلك الأول أشياء أخرى من خزائنه فإن تأذى من ذلك يكون بخلاً وحسداً، وذلك في الآخرة لا يكون، وفي الدنيا هو من صفة الأرازل، وقوله تعالى :﴿إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي يغفر لكم ما قد سلف ويرحمكم بما أتيتم به. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ١١٥ ـ ١٢٢﴾