ثم شدد تعالى عليهم النهي. بأن حكم بظلم من لم يتب ويقلع عن هذه الأشياء التي نهى عنها. ثم أمر تعالى المؤمنين باجتناب كثير من الظن. وأن لا يعملوا ولا يتكلموا بحسبه، لما في ذلك وفي التجسس من التقاطع والتدابر. وحكم على بعضه بأنه ﴿ إثم ﴾ إذ بعضه ليس بإثم. ولا يلزم اجتنابه وهو ظن الخير بالناس وحسنه بالله تعالى. والمظنون من شهادات الشهود والمظنون به من أهل الشر. فإن ذلك سقوط عدالته وغير ذلك هي من حكم الظن به. وظن الخير بالمؤمن محمود والظن المنهي عنه : هو أن تظن سوءاً برجل ظاهره الصلاح. بل الواجب تنزيل الظن وحكمه وتتأول الخير. وقال بعض الناس :﴿ إثم ﴾ معناه : كذب. ومنه قول النبي ﷺ :" إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ". وقال بعض الناس. معنى :﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ أي إذا تكلم الظان أثم. وما لم يتكلم فهو في فسحة. لأنه لا يقدر على دفع الخواطر التي يبيحها قول النبي ﷺ :" الحزم سوء الظن ".
قال القاضي أبو محمد : وما زال أولو العلم يحترسون من سوء الظن ويسدون ذرائعه.
قال سلمان الفارسي : إني لأعد غراف قِدْري مخافة الظن. وذكر النقاش عن أنس بن مالك عن النبي ﷺ أنه قال :" احترسوا من الناس بسوء الظن. " وكان أبو العالية يختم على بقية طعامه مخافة سوء الظن بخادمه.
وقال ابن مسعود : الأمانة خير من الخاتم. والخاتم خير من ظن السوء.
وقوله :﴿ ولا تجسسوا ﴾ أي لا تبحثوا على مخبآت أمور الناس وادفعوا بالتي هي أحسن. واجتزوا بالظواهر الحسنة.


الصفحة التالية
Icon