وروي أن رجلاً قال لابن سيرين : إني قد اغتبتك فحللني. فقال له ابن سيرين إني لا أحل ما حرم الله. والغيبة مشتقة من غاب يغيب. وهي القول في الغائب واستعملت في المكروه. ولم يبح في هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه من تجريح في الشهود وفي التعريف لمن استنصح في الخطاب ونحوهم لقول النبي ﷺ :
" أما معاوية فصعلوك لا مال له ". وما يقال في الفسقة أيضاً وفي ولاة الجور ويقصد به التحذير منه. ومنه قول النبي ﷺ :" أعن الفاجر ترعون؟ اذكروا الفاجر بما فيه حتى يعرفه الناس إذا لم تذكروه " ومنه قوله ﷺ :" بئس ابن العشيرة ". ثم مثل تعالى الغيبة بأكل لحم ابن آدم الميت، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم. فمنه قول الشاعر [ سويد بن أبي كاهل اليشكري ] :[ الرمل ]
فإذا لاقيته عظّمني... وإذا يخلو له لحمي رتع
ويروى فيحييني إذا لاقيته.
ومنه قول الآخر :[ المقنع الكندي ].
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
فوقفهم الله تعالى على جهة التوبيخ بقوله :﴿ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً ﴾ فالجواب عن هذا : لا. وهم في حكم من يقولها. فخوطبوا على أنهم قالوا لا. فقيل لهم :﴿ فكرهتموه ﴾ وبعد هذا مقدر تقديره : فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي نظير ذلك. وعلى هذا المقدر يعطف قوله :﴿ واتقوا الله ﴾ قاله أبو علي الفارسي. وقال الرماني : كراهية هذا اللحم يدعو إليها الطبع. وكراهية الغيبة يدعو إليها العقل. وهو أحق أن يجاب. لأنه بصير عالم. والطبع أعمى جاهل.
وقرأ الجمهور :" ميْتاً " بسكون الياء. وقرأ نافع وابن القعقاع وشيبة ومجاهد :" ميِّتاً " بكسرها والشد. وقرأ أبو حيوة :" فكُرّهتموه " بضم الكاف وشد الراء.
ورواها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أعلم بأنه ﴿ تواب رحيم ﴾ إبقاء منه تعالى وإمهالاً وتمكيناً من التوبة.