والغِيبة في الخَلْق أشدّ ؛ لأن مَن عَيّب صنعة فإنما عيّب صانعها.
وهذا كله مردود.
أما الأوّل فيردّه " حديث عائشة حين قالت في صفية : إنها امرأة قصيرة ؛ فقال لها النبيّ ﷺ :"لقد قلت كلمة لو مُزِج بها البحر لمزجته" " خرجه أبو داود.
وقال فيه الترمذي : حديث حسن صحيح ؛ وما كان في معناه حسب ما تقدّم.
وإجماع العلماء قديماً على أن ذلك غِيبة إذا أريد به العيب.
وأما الثاني فمردود أيضاً عند جميع العلماء ؛ لأن العلماء من أوّل الدهر من أصحاب رسول الله ﷺ والتابعين بعدهم لم تكن الغيبة عندهم في شيء أعظم من الغيبة في الدِّين ؛ لأن عيب الدين أعظم العيب ؛ فكل مؤمن يكره أن يذكر في دينه أشد مما يكره في بدنه.
وكفى ردًّا لمن قال هذا القول قولُه عليه السلام :" إذا قلت في أخيك ما يكره فقد اغتبته...
" الحديث.
فمن زعم أن ذلك ليس بغيبة فقد ردّ ما قال النبيّ ﷺ نصًّا.
وكفى بعموم قول النبيّ ﷺ :" دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " وذلك عام للدِّين والدنيا.
وقول النبيّ ﷺ :" من كانت عنده لأخيه مَظْلِمَة في عِرضه أو ماله فليتحلله منه " فعمّ كل عرض ؛ فمن خص من ذلك شيئاً دون شيء فقد عارض ما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم.
الثامنة لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحداً عليه أن يتوب إلى الله عز وجل.
وهل يستحلّ المغتاب؟ اختلف فيه ؛ فقالت فرقة : ليس عليه استحلاله، وإنما هي خطيئة بينه وبين ربه.
واحتجت بأنه لم يأخذ من ماله ولا أصاب من بدنه ما ينقصه، فليس ذلك بمظْلِمَة يستحلها منه، وإنما المظلمة ما يكون منه البدل والعِوض في المال والبدن.
وقالت فرقة : هي مظلمة، وكفارتها الاْستغفار لصاحبها الذي اغتابه.
واحتجت بحديث يروى عن الحسن قال : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته.
وقالت فرقة : هي مظلمة وعليه الاْستحلال منها.


الصفحة التالية
Icon