وأما قول الحسن فليس بحجة، وقد قال النبيّ ﷺ :" من كانت له عند أخيه مظلمة في عِرض أو مال فليتحللها منه " وقد ذهب بعضهم إلى ترك التحليل لمن سأله، ورأى أنه لا يحلّ له ما حرّم الله عليه ؛ منهم سعيد بن المسيّب قال : لا أحلل من ظلمني.
وقيل لاْبن سيرين : يا أبا بكر، هذا رجل سألك أن تحلله من مظلمة هي لك عنده ؛ فقال : إني لم أحرمها عليه فأحلّها، إن الله حرّم الغِيبة عليه، وما كنت لأحلّ ما حرّم الله عليه أبداً.
وخبر النبيّ ﷺ يدل على التحليل، وهو الحجة والمبيِّن.
والتحليل يدل على الرحمة وهو من وجه العفو ؛ وقد قال تعالى :﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ﴾ [ الشورى : ٠ ٤ ].
التاسعة ليس من هذا الباب غِيبة الفاسق المعلن به المجاهر ؛ فإن في الخبر :"من ألقى جِلْباب الحياء فلا غِيبة له".
وقال ﷺ :" اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس " فالغيبة إذاً في المرء الذي يستر نفسه.
وروي عن الحسن أنه قال : ثلاثة ليست لهم حرمة : صاحب الهوى، والفاسق المعلن، والإمام الجائر.
وقال الحسن لما مات الحجاج : اللهم أنت أَمَتّه فاقطع عنا سنته وفي رواية شَيْنه فإنه أتانا أخَيْفِش أُعَيْمِش، يمدّ بيد قصيرة البنان، والله ما عَرِق فيها غبار في سبيل الله، يُرَجِّل جُمّته ويَخْطِر في مِشْيته، ويَصْعَد المنبر فَيَهْدِر حتى تفوته الصلاة.
لا من الله يَتَّقِي، ولا من الناس يستحي ؛ فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون، لا يقول له قائل : الصلاة أيها الرجل.
ثم يقول الحسن : هيهات! حال دون ذلك السيف والسَّوْط.
وروى الربيع بن صبيح عن الحسن قال : ليس لأهل البدع غِيبة.
وكذلك قولك للقاضي تستعين به على أخذ حقك ممن ظلمك فتقول فلان ظلمني أو غضبني أو خانني أو ضربني أو قذفني أو أساء إليّ ؛ ليس بغيبة.
وعلماء الأمة على ذلك مجمعة.


الصفحة التالية
Icon