وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله ﷺ : أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة ؛ وجعلوا يمنُّون عليه فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال ابن عباس : نزلت في أعراب أرادوا أن يَتَسمَّوْا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا ؛ فأعلم الله أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين.
وقال السدّي : نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح : أعراب مُزَيْنَة وجُهَيْنة وأسْلَم وغِفارَ والدِّيل وأشجع ؛ قالوا آمنّا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ؛ فلما استنفروا إلى المدينة تخلّفوا ؛ فنزلت.
وبالجملة فالآية خاصة لبعض الأعراب ؛ لأن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر كما وصف الله تعالى.
ومعنى "وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا" أي استسلمنا خوف القتل والسّبْي، وهذه صفة المنافقين ؛ لأنهم أسلموا في ظاهر إيمانهم ولم تؤمن قلوبهم ؛ وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب.
وأما الإسلام فقبول ما أتى به النبيّ ﷺ في الظاهر، وذلك يَحْقِن الدّم.
﴿ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ ﴾ يعني إن تخلصوا الإيمان ﴿ لاَ يَلِتْكُمْ ﴾ أي لا ينقصكم.
﴿ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً ﴾ لأنه يَلِيته ويلوته : نقصه.
وقرأ أبو عمرو "لا يألِتكم" بالهمزة، من أَلَت يَأْلت أَلْتاً ؛ وهو اختيار أبي حاتم ؛ اعتباراً بقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ [ الطور : ١ ٢ ] قال الشاعر :
أبلِغْ بني ثُعَلٍ عني مُغَلْغَلَةً...
جَهْد الرِّسَالة لا أَلْتاً ولا كَذِبَا
واختار الأولى أبو عبيد.
قال رؤبة :
وليلةٍ ذاتِ نَدًى سَرَيْتُ...
ولم يَلِتْنِي عن سُرَاها لَيْتُ
أي لم يمنعني عن سُراها مانع ؛ وكذلك ألاته عن وجهه ؛ فعل وأفْعَل بمعنًى.
ويقال أيضاً : ما ألاته من عمله شيئاً ؛ أي ما نقصه ؛ مثل ألته ؛ قاله الفرّاء.
وأنشد :