ولما كان الخصام يجر في الغالب من القول والفعل ما يورث للمصلحين إحنة على بعض المتخاصمين، فيحمل ذلك على الميل مع بعض على بعض، قال :﴿بالعدل﴾ ولا يحملكم القتال على الحقد على المتقاتلين فتحيفوا.
ولما كان العدل في مثل ذلك شديداً على النفوس لما تحملت من الضغائن قال تعالى :﴿وأقسطوا﴾ أي وأزيلوا القسط - بالفتح وهو الجور - بأن تفعلوا القسط بالكسر وهو العدل العظيم الذي لا جور فيه، في ذلك وفي جميع أموركم، ثم علله ترغيباً فيه بقوله مؤكداً تنبيهاً على أنه من أعظم ما يتمادح به، وردّاً على من لعله يقول : إنه لا يلزم نفسه الوقوف عنده إلا ضعيف :﴿إن الله﴾ أي الذي بيده النصر والخذلان ﴿يحب المقسطين﴾ أي يفعل مع أهل العدل من الإكرام فعل المحب.
ولما أمر بما قد يفضي إلى القتال، وكان الباغي ربما كان أقرب إلى الصلح من جهة النسب من المبغيّ عليه فروعي، وكان القتال أمراً شاقاً ربما حمل على الإحجام عن الإصلاح، علل ذلك سبحانه بما قدم فيه قرابة الدين على قرابة النسب، وكشف كشفاً تاماً عن أنه لا يسوغ له تركه لما يؤدي إليه من تفريق الشمل المؤدي إلى وهن الإسلام وأهله المؤدي إلى ظهور الباطل المؤدي إلى الفساد الأعظم الذي لا تدارك له فقال تعالى :﴿إنما المؤمنون﴾ أي كلهم وإن تباعدت أنسابهم وأغراضهم وبلادهم ﴿إخوة﴾ لانتسابهم إلى أصل واحد وهو الإيمان، لا بعد بينهم، ولا يفضل أحد منهم على أحد بجهة غير جهة الإيمان.
ولما كانت الأخوة داعية ولا بد إلى الإصلاح، سبب عنها قوله :﴿فأصلحوا ﴾.


الصفحة التالية
Icon