فقال له الرجل : قد وجدتَ مجلساً فاجلسا فجلس ثابت من خلفه مُغْضَباً، ثم قال : من هذا؟ قالوا فلان ؛ فقال ثابت : ابن فلانةا يعيّره بها ؛ يعني أُمًّا له في الجاهلية ؛ فاستحيا الرجل ؛ فنزلت.
وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذي تقدم ذكرهم في أوّل "السورة" استهزءوا بفقراء الصحابة ؛ مثل عَمّار وخبّاب وابن فُهيرة وبِلال وصُهيب وسلمان وسالم مَوْلى أبي حُذيفة وغيرِهم ؛ لما رأوا من رثاثة حالهم ؛ فنزلت في الذين آمنوا منهم.
وقال مجاهد : هو سخرية الغني من الفقير.
وقال ابن زيد : لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله ؛ فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة.
وقيل : نزلت في عِكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلماً ؛ وكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة.
فشكا ذلك إلى رسول الله ﷺ فنزلت.
وبالجملة فينبغي ألا يجترىء أحد على الاْستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رَثّ الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لَبِيق في محادثته ؛ فلعله أخلص ضميراً وأنقى قلباً ممن هو على ضدّ صفته ؛ فيظلم نفسه بتحقير من وقَّره الله، والاستهزاء بمن عظّمه الله.
ولقد بلغ بالسّلف إفراط توقّيهم وتصوّنهم من ذلك أن قال عمرو بن شَرَحْبِيل : لو رأيتُ رجلاً يرضع عنزاً فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع.
وعن عبد الله بن مسعود : البلاء مُوَكّل بالقول ؛ لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوَّل كلباً.
و"قوم" في اللغة للمذكّرين خاصة.
قال زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري...
أقوم آلِ حصن أم نساء
وسُمُّوا قوماً لأنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد.
وقيل : إنه جمع قائم، ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمِين.
وقد يدخل في القوم النساء مجازاً، وقد مضى في "البقرة" بيانه.
الثالثة قوله تعالى :﴿ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ﴾ أفرد النساء بالذكر لأن السّخرية منهن أكثر.