قال ابن كثير : معنى الآية : لا تسرعوا في الأشياء قبله، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب حديث معاذ رضي الله عنه. قال له النبي ﷺ حين بعثه إلى اليمن :< بم تحكم ؟ > قال : بكتاب الله تعالى. قال ﷺ :< فإن لم تجد ؟ > قال : بسنة رسول الله ﷺ. قال ﷺ :< فإن لم تجد ؟ > قال رضي الله عنه : أجتهد رأيي ! فضرب في صدره وقال :< الحمد لله الذي وفق رسولَ رسول الله لما يرضي رسول الله >. وقد رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. والغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة، ولو قدمه قبل البحث عنهما، لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله. انتهى.
وقد جوز أن يكون المراد : بين يدي رسول الله، وذكر الله ؛ لبيان قوة اختصاصه به تعالى، ومنزلته منه، تمهيداً وتوطئة لما بعده. وقد أيد هذا، بأن مساق الكلام لإجلاله ﷺ.
تنبيه :
قال ابن جرير : بضم التاء من قوله :﴿ لَا تُقَدِّمُوا ﴾ قرأ قراءة الأمصار، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها، لإجماع الحجة من القراء عليها. وقد حكى عن العرب : قدّمت في كذا وتقدمت في كذا. فعلى هذه اللغة لو كان قيل : لا تَقدموا، بفتح التاء، كان جائزاً. انتهى. وبه قرأ يعقوب فيما نقل عنه.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي : في التقديم أو مخالفة الحكم. والأمر بالتقوى على أثر ما تقدم، بمنزلة قولك للمقارف بعض الدلائل : لا تفعل هذا، وتحفظ مما يلصق العار بك. فتنهاه أولاً عن عين ما قارفه، ثم تعمّ وتأمره بما لو امتثل أمرك فيه، لم يرتكب تلك الغفلة، وكل ما يضرب في طريقها، ويتعلق بسببها - أشار له الزمخشري -.
﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ أي : فحقيق أن يتقى ويراقب.
تنبيه :


الصفحة التالية
Icon