﴿ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ﴾ أي : فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله، له وعليه، وتعدت ما جعل الله عدلاً بين خلقه، وأجابت الأخرى منهما ﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ﴾ أي : تعتدي وتأبى الإجابة إلى حكم الله :﴿ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ أي : ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه :﴿ فَإِن فَاءتْ ﴾ أي : رجعت الباغية، بعد قتالكم إياهم، إلى الرضا بحكم الله في كتابه :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ﴾ أي : بالإنصاف بينهما، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلاً بين خلقه :﴿ وَأَقْسِطُوا ﴾ أي : اعدلوا في كل ما تأتون وتذرون ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ أي : فيجازيهم أحسن الجزاء.
تنبيهات :
الأول - قال القاشاني : الاقتتال لا يكون إلا للميل إلى الدنيا، والركون إلى الهوى، والانجذاب إلى الجهة السفلية، والتوجه إلى المطالب الجزئية. والإصلاح إنما يكون من لزوم العدالة في النفس التي هي ظل المحبة، التي هي ظل الوحدة. فلذلك أمر المؤمنون الموحدون بالإصلاح بينهما، على تقدير بغيهما. والقتال مع الباغية على تقدير بغي إحداهما، حتى ترجع. لكون الباغية مضادة للحق، دافعة له.
وقد روي أن هذه الآية نزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه بالنعال والأيدي، لا بالسيوف، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ، فأتاهم فحجز بينهم وأصلح. روي ذلك من طريق عديدة، مما يقوي أن القتال الذي نزلت فيه كان حقيقياً.


الصفحة التالية
Icon