قال الشهاب : ضمير :﴿ تَلْمِزُوا ﴾ للجمع بتقدير مضاف فيه. و :﴿ أَنفُسَكُمْ ﴾ عبارة عن بعض آخر من جنس المخاطبين، وهم المؤمنون، فجعل ما هو من جنسهم بمنزلة أنفسهم، كما في قوله :﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ]، وقوله :﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٩ ]، فأطلق الأنفس على الجنس استعارة. ففي اللفظ الكريم تجوز، وتقدير مضاف. والنهي على هذا مخصوص بالمؤمنين، وهو مغاير لما قبله، وإن كان مخصوصاً بالمؤمنين أيضاً بحسب المفهوم، لتغاير الطعن والسخرية، فلا يقال إن الأول مغن عنه، إذ السخرية ذكره بما يكره على وجه مضحك بحضرته، وهذا ذكره بما يكره مطلقاً. أو هو تعميم بعد التخصيص، كما يعطف العام على الخاص، لإفادة الشمول. وقيل : إنه من عطف العلة على المعلول، أو اللمز مخصوص بما كان على وجه الخفية، كالإشارة. أو هو من عطف الخاص على العام لجعل الخاص كجنس آخر مبالغة. انتهى. وقيل : معنى الآية : لا تفعلوا ما تلمزون به، فإن من فعل ما استحق به اللمز، فقد لمز نفسه.
قال الشهاب : فـ :﴿ أَنْفُسَكُمْ ﴾ على ظاهره، والتجوز في قوله :﴿ تَلْمِزُوا ﴾. فهو مجاز ذكر فيه المسبب، وأريد السبب. والمراد : لا ترتكبوا أمراً تعابون به، وضعف بأنه بعيد من السياق، وغير مناسب لقوله :﴿ وَلَا تَنَابَزُوا ﴾، كما في " الكشف "، وكونه من التجوز في الإسناد، إذ أسند فيه ما للمسبب إلى السبب، تكلف ظاهر، وكذا كونه كالتعليل للنهي السابق، لا يدفع كونه مخالفاً للظاهر. وكذا كون المراد به لا تتسببوا في الطعن فيكم، بالطعن على غيركم، كما في الحديث < من الكبائر أن يشتم الرجل والديه >، إذ فُسر بأنه إذا شتم والدي غيره، شتم الغيرُ والديه أيضاً.