ومما لا نزاع فيه بين العقلاء أن الذكر والأنثى إذا تعاشرا المعاشرة البشرية الطبيعية التي لا بقاء للبشر دونها، فإن المرأة تتأثر بذلك تأثراً طبيعياً كونياً قدرياً مانعاً لها من مزاولة الأعمال كالحمل والنفاس وما ينشأ عن ذلك من الضعف والمرض والألم.
بخلاف الرجل فإنه لا يتأثر بشيء من ذلك، ومع هذه الفوارق لا يتجرأ على القول بمساواتهما في جميع الميادين إلا مكابر في المحسوس، فلا يدعو إلى المساواة بينهما إلا من أعمى الله بصيرته.
وقد قدمنا في الموضعين اللذين أشرنا لهما من هذا الكتاب المبارك ما يكفي المنصف، فأغنى عن إعادته هنا.
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لتعارفوا ﴾
لما كان قوله تعالى :﴿ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ يدل على استواء الناس في الأصل، لأن أباهم واحد وأمهم واحدة وكان في ذلك أكبر زاجر عن التفاخر بالأنساب وتطاول بعض الناس على بعض، بين تعالى أنه جعلهم شعوباً وقبائل لأجل أن يتعارفوا أي يعرف بعضهم بعضاً، ويتميز بعضهم عن بعض لا لأجل أن يفتخر بعضهم على بعض ويتطاول عليه.
وذلك يدل على أن كون بعضهم أفضل من بعض وأكرم منه إنما يكون بسبب آخر غير الأنساب.
وقد بين الله ذلك هنا بقوله :﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُم ﴾ فاتضح من هذا أن الفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الانتساب إلى القبائل، ولقد صدق من قال :
فقد رفع الإسلام سلمان فارس... وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وقد ذكروا أن سلمان رضي الله عنه كان يقول :
أبي الإسلام لا أب ليس سواه... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وهذه الآيات القرآنية، تدل على أن دين الإسلام سماوي صحيح، لا نظر فيه إلى الألوان ولا إلى العناصر، ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه تقوى الله جل وعلا وطاعته، فأكرم الناس وأفضلهم أتقاهم لله، ولا كرم ولا فضل لغير المتقي، ولو كان رفيع النسب.