مناسبة الآية لما قبلها
ولما كان هذا المقام لا يصح إلا بتمام العلم وكمال القدرة نصب الأدلة على ذلك في هذه الآية الثالثة بأبسط مما في الآية الثانية كما كانت الثانية أبسط من الأولى وأجلى تبصيراً للجهال وتذكيراً للعلماء ؛ فكانت هذه الآية تفصيلاً لتينك الآيتين السابقتين ولم تدع حاجة إلى مثل هذه التفصيل في آية آل عمران، لأن معظم المراد بها الدلالة على شمول القدرة وأما هذه فدليل على التفرد، فكان لا بد من ذكر ما ربما أضيف إلى أسبابه القريبة تنبيهاً على أنه لا شريك له في شيء من ذلك وأن الكل بخلقه وإن أقام لذلك أسباباً ظاهرية فقال تعالى ﴿إن في خلق السماوات والأرض﴾ أي واختلافهما فإن خلق ما ذكر في الآية من نعمته على عباده كما ذكر في أول السورة، ثم ذكر ما ينشأ عنهما فقال :﴿واختلاف﴾ وهو افتعال من الخلف، وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور ﴿الليل﴾ قدمه لأنه الأصل والأقدم ﴿وآية لهم الّليل﴾ [يس : ٣٧] ﴿والنهار﴾ وخلقهما، فالآية من الاحتباك، ذكر الخلق أولاً دليلاً على حذفه ثانياً والاختلاف ثانياً على حذفه أولاً. وقال الحرالي : ولما كان من سنة الله أن من دعاه إليه وإلى رسله بشاهد خرق عادة في خلق أو أمر عاجله بالعقوبة في الدنيا وجدد بعده أمة أخرى كما قال سبحانه وتعالى :﴿وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون﴾ [الإسراء : ٥٩] وكانت هذه الأمة خاتمة ليس بعدها أمة غيرها أعفاها ربها من احتياجها إلى خرق العوائد، قال عليه الصلاة والسلام " ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي آتاني الله وحياً أوحاه الله سبحانه وتعالى إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً " فكان أمر الاعتبار أعم إجابة وأسمح مخالفة وكفاها بما قد أظهره لها في خلقه بالإبداء والتسخير من الشواهد، ليكونوا علماء منقادين لروح العلم لا لسلطان القهر، فيكون ذلك من مزاياهم على غيرهم، ولم


الصفحة التالية
Icon