ولما ذكر سبحانه وتعالى بث ما هو السبب للنبات المسبب عن الماء ذكر بث ما هو سبب للسحاب السبب للمطر السبب للحياة فقال تعالى :﴿وتصريف الرياح﴾ أي تارة صباً وأخرى دبوراً ومرة شمالاً وكرة جنوباً، والتصريف إجراء المصرف بمقتضى الحكم عليه، والريح متحرك الهوى في الأقطار ﴿والسحاب﴾ وهو المتراكم في جهة العلو من جوهر ما بين الماء والهواء المنسحب في الجو ﴿المسخر﴾ أي بها، من التسخير وهو إجراء الشيء على مقتضى غرض ما سخر له ﴿بين السماء والأرض﴾ لا يهوى إلى جهة السفل مع ثقله بحمله بخار الماء، كما تهوى بقية الأجرام العالية حيث لم يكن لها ممسك محسوس ولا ينقشع مع أن الطبع يقتضي أحد الثلاثة : فالكثيف يقتضي النزول واللطيف يقتضي الصعود، والمتوسط يقتضي الانقشاع ﴿لآيات﴾ وقال الحرالي : لما ذكر تعالى الأعلى والأسفل ومطلع الليل والنهار من الجانبين وإنزال الماء أهواءً ذكر ما يملأ ما بين ذلك من الرياح والسحب الذي هو ما بين حركة هوائية إلى استنارة مائية إلى ما يلزم ذلك من بوادي نيراته من نحو صواعقه وجملة أحداثه، فكان في هذا الخطاب اكتفاء بأصول من مبادىء الاعتبار، فذكر السماء والأرض والآفاق وما بينهما من الرياح والسحب والماء المنزل الذي جملته قوام الخلق في عاجل دنياهم، ليجعل لهم ذلك آية على علو أمر وراءه ويكون كل وجه منه آية على أمر من أمر الله فيكون آيات، لتكون السماء آية على علو أمر الله فيكون أعلى من الأعلى، وتكون الأرض آية على باطن أمر الله فيكون أبطن من الأبطن، ويكون اختلاف الليل والنهار آية على نور بدوه وظلمة غيبته مما وراء أمر الليل والنار، ويكون ما أنزل من الماء لإحياء الأرض وخلق الحيوان آية ما ينزل من نور علمه على القلوب فتحيا بها حياة تكون حياة الظاهر آية عليه، ويكون تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض آيات على تصريف ما بين أرض العبد الذي هو ظاهره وسمائه الذي هو


الصفحة التالية
Icon