وقال العلامة ابن جزى :
واختلاف الليل والنهار أي اختلاف وصفهما من الضياء والظلام والطول والقصر، وقيل إن أحدهما يخلف الآخر بما ينفع الناس من التجارة وغيرها وتصريف الرياح إرسالها من جهات مختلفة وهي الجهات الأربع وما بينهما وبصفات مختلفة فمنها ملقحة بالشجر وعقيم وصر وللنصر وللهلاك. أ هـ ﴿التسهيل حـ ١ صـ ٦٦ ـ ٦٧﴾
وقال العلامة ابن عاشور :
موقع هاته الآية عقب سابقتها موقع الحجة من الدعوى، ذلك أن الله تعالى أعلن أن الإله إله واحد لا إله غيره وهي قضية من شأنها أن تُتلقى بالإنكار من كثير من الناس فناسب إقامة الحجة لمن لا يقتنع فجاء بهذه الدلائل الواضحة التي لا يسع الناظر إلاّ التسليم إليها.
فإن هنا لمجرد الاهتمام بالخبر لِلَفْت الأنظار إليه، ويحتمل أنهم نُزلوا منزلة من ينكر أن يكون في ذلك آيات (لقوم يعقلون) لأنهم لم يجروا على ما تدل عليه تلك الآيات. أهـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٧٦﴾
والمقصود من هاته الآية إثبات دلائل وجود الله تعالى ووحدانيته ولذلك ذكرت إثر ذكر الوحدانية لأنها إذا أثبتت بها الوحدانية ثبت الوجود بالضرورة. فالآية صالحة للرد على كفار قريش دُهريهم ومشركهم والمشركون هم المقصود ابتداء، وقد قرر الله في هاته الآية دلائل كلها واضحة من أصناف المخلوقات وهي مع وضوحها تشتمل على أسرار يتفاوت الناس في دركها حتى يتناول كل صنف من العقلاء مقدار الأدلة منها على قدر قرائحهم وعلومهم. أهـ
﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٧٧﴾
سؤال : لم قدم الليل على النهار ؟
والجواب : قدم الليل على النهار لسبقه في الخلق، قال تعالى :﴿وآية لهم الليل نسلخ منه النهار﴾ وقال قوم : إن النور سابق على الظلمة، وعلى هذا الخلاف انبنى الخلاف في ليلة اليوم. فعلى القول الأول : تكون ليلة اليوم هي التي قبله، وهو قول الجمهور ؛ وعلى القول الثاني : ليلة اليوم هي الليلة التي تليه، وكذلك ينبني على اختلافهم في النهار، اختلافهم في مسألة : لو حلف لا يكلم زيداً نهاراً. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ١ صـ ٦٣٩﴾
فوائد ولطائف
قال الخازن :
قيل : لما نزلت هذ الآية. قال المشركون : إن محمداً يقول :" إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان صادقاً "
فأنزل الله تعالى :﴿إن في خلق السماوات والأرض﴾ وعلمه كيفية الاستدلال على وحدانية الصانع، وردهم إلى التفكر في آياته والنظر في عجائب مصنوعاته وإتقان أفعاله ففي ذلك دليل على وحدانيته إذ لو كان في الوجود صانعان لهذه الأفعال، لاستحال اتفاقهما على أمر واحد ولامتنع في أفعالهما التساوي في صفة الكمال فثبت بذاك أن خالق هذا العالم والمدبر له واحد قادر مختار، فبين سبحانه وتعالى من عجائب مخلوقاته ثمانية أنواع أولها : إن في خلق السماوات والأرض وإنما جمع السماوات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ووحد الأرض جنس واحد وهو التراب، والآية في السماء هي سمكها وارتفاعها بغير عمد، ولا علاقة وما يرى فيها من الشمس والقمر والنجوم، والآية في الأرض مدها وبسطها على الماء، وما يرى فيها من الجبال والبحار والمعادن والجواهر والأنهار والأشجار والثمار والنبات. النوع الثاني قوله تعالى :﴿واختلاف الليل والنهار﴾ أي تعاقبهما في المجيء والذهاب وقيل اختلافهما في الطول والقصر والزيادة والنقصان والنور والظلمة.
وإنما قدم الليل على النهار لأن الظلمة أقدم.