سؤال : لم خص الفلك بالذكر ؟
خص الفلك بالذكر مع أن مقتضى المقام حينئذٍ أن يقال : والعجائب التي في البحر لأنه سبب الاطلاع على أحواله وعجائبه فكان ذكره ذكراً لجميع أحواله، وطريقاً إلى العلم بوجوه دلالته، ولذلك قدم على ذكر المطر والسحاب لأن منشأهما البحر في غالب الأمر، وإلا فالمناسب بعد ذكر اختلاف الليل والنهار الذي هو من الآيات العلوية ذكر المطر والسحاب اللذين هما من كائنات الجو وعدم نظم الفلك في البين لكونها من الآيات السفلية.
وعندي أن هذا خلاف الظاهر جداً وإن جل قائله إذ يؤول المعنى إلى والبحر الذي تجري فيه الفلك بما ينفع الناس وهو قلب للنظم الكريم بغير داع إليه ولا دليل يعوّل عليه، وأي مانع من كون الاستدلال باختلاف الفلك وذهابها مرة كذا ومرة كذا على حسب ما تحركها المقادير الإلهية، أو بالفلك الجارية في البحر من حيث إنها جارية فيه موقرة مقبلة ومدبرة، متعلقة بحبال الهواء على لطفه، وكثافتها لا ترسب إلى قاع البحر مع تلاطم أمواجه واضطراب لججه، وكون شيء من ذلك ليس حالاً لها في نفسها غير مسلم، ووجه الترتيب على ما أرى أنه سبحانه ذكر أولاً : خلق أمرين علوي وسفلي، واختلاف شيئين بمدخلية أمرين سماوي وأرضي ثانياً : إذ تعاقب الليل والنهار أو اختلافهما ازدياداً وانتقاصاً أو ظلمة ونوراً إنما هو بمدخلية سير الفلك وحيلولة جرم الأرض على كيفيتين مخصوصتين، ثم عقب ذلك بما يشبه آيتي الليل والنهار السابح كل منهما في لجة بحر فلكه الدوار المسخر بالجريان فيه ذهاباً وإياباً بما ينفع الناس في أمر معاشهم وانتظام أحوالهم، وهو الفلك التي تجري على كبد البحر بذلك، ويختلف جريانها شرقاً وغرباً على حسب تسليك المقادير الإلهية لها في هاتيك المسالك، فالآية حينئذٍ على حد قوله تعالى :