واخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال : قال صلّى اللّه عليه وسلم : من مرض أو سافر كتب اللّه تعالى له ما كان يعمل صحيحا مقيما قال تعالى "وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ" أي شدته المذهبة لعقلة وغمرته التي تغشى المحتضر حالة نزعه إذ تحول بينة وبين عقله فتصيّره كالسكران "بِالْحَقِّ" عند بلوغ الأجل اليوم الذي يتبين به الإنسان من أمري الدنيا والآخرة ويعلم فيه ما يوصل إليه حاله من السعادة والشقاوة ويراه عيانا.
واعلم أن الإنسان خلق لشيئين : لعبادة ربه مادام حيا قال تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية ٥٦ من الذاريات في ج ٢، وللموت عند انقضاء أجله قال تعالى :(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) الآية ١٨٥ من آل عمران ج ٣، وهي مكررة في الأنبياء والعنكبوت ٣٥ و٥٧ الآتيتين ج ٢ وهو لا ينجو منه أحد، قال : مناديه ينادي كل يوم : لدوا للموت وابنوا للخراب ويقال له "ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" تميل تعدل عن الموت الذي تنفر عنه ولا تريده بحالة من الأحوال، فها هو قد جاءك.
أخرج البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة وصححه الحاكم قالت : لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهو
بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت.
وجاء في بعض الآثار ما أخرجه ابن سعد عن عروة قال : لما مات الوليد بكت أم سلمة فقالت :
يا عين فابكي للوليد بن الوليد بن المغيرة كان الوليد أبو الوليد فتى العشيرة
فقال صلّى اللّه عليه وسلم لا تقولي هكذا يا أم سلمة ولكن قولي (وجاءت سكرة الموت بالحق) وأخرج أحمد وابن جرير عن عبد اللّه مولى الزبير بن العوام قال : لما حضر أبو بكر الوفاة تمثلت عائشة بهذا البيت :
أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر