ولما كان العالم بالشيء كلما كان قريباً منه كان علمه به أثبت وأمكن، قال ممثلاً لعلمه ومصوراً له بما نعلم أنه موجبه :﴿ونحن﴾ بما لنا من العظمة ﴿أقرب إليه﴾ قرب علم وشهود من غير مسافة ﴿من حبل الوريد﴾ لأن أبعاضه وأجزاءه تحجب بعضها بعضاً، ولا يحجب علم الله شيء، والمراد به الجنس، والوريدان عرقان كالحبلين مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمها متصلات من الرأس إلى الوتين وهو عرق القلب، وهذا مثل في فرط القرب، وإضافته مثل مسجد الجامع، وقد مضى في تفسير سورة المائدة عند قوله ﴿والله يعصمك من الناس﴾ [ المائدة : ٦٧ ] ما ينفع هنا، قال القشيري : وفي هذه الآية هيبة وفزع وخوف لقوم، وروح وأنس وسكون قلب لقوم.
ولما كان سبحانه قد وكل بنا حفظة تحفظ أعمالنا وتضبط أقوالنا وأحوالنا، فكان المعروف لنا أن سبب الاستحفاظ خوف الغفلة والنسيان، قدم سبحانه الإخبار بكمال علمه فأمن ذلك المحذور، علق بأقرب أو نعلم قوله تأكيداً لما علم من إحاطة علمه من عدم حاجته، وتخويفاً بما هو أقرب إلى مألوفتنا ﴿إذ﴾ أي حين ﴿يتلقى﴾ أي بغاية الاجتهاد والمراقبة والمراعاة من كل إنسان خلقناه وأبرزناه إلى هذا الوجود ﴿المتلقيان﴾ وما أدراك ما هما؟ ملكان عظيمان حال كونهما ﴿عن اليمين﴾ لكل إنسان قعيد منهما ﴿وعن الشمال﴾ كذلك ﴿قعيد﴾ أي رصد وحبس مقاعد لذلك الإنسان بأبلغ المقاعدة ونحن أقرب منهما وأعلم علماً، وإنما استحفظناهما لإقامة الحجة بهما على مجاري عاداتكم وغير ذلك من الحكم.


الصفحة التالية
Icon