حتى يصح معنى الظرفية وقوله تعالى :﴿فَوْقَهُمُ﴾ تأكيد آخر أي وهو ظاهر فوق رؤوسهم غير غائب عنهم، وقوله تعالى :﴿كَيْفَ بنيناها وزيناها وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ إشارة إلى وجه الدلالة وأولوية الوقوع وهي للرجع، أما وجه الدلالة فإن الإنسان له أساس هي العظام التي هي كالدعامة وقوى وأنوار كالسمع والبصر فبناء السماء أرفع من أساس البدن، وزينة السماء أكمل من زينة الإنسان بلحم وشحم.
وأما الأولوية فإن السماء ما لها من فروج فتأليفها أشد، وللإنسان فروج ومسام، ولا شك أن التأليف الأشد كالنسج الأصفق والتأليف الأضعف كالنسج الأسخف، والأول أصعب عند الناس وأعجب، فكيف يستبعدون الأدون مع علمهم بوجود الأعلى من الله تعالى ؟ قالت الفلاسفة الآية دالة على أن السماء لا تقبل الخرق، وكذلك قالوا في قوله ﴿هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ [ الملك : ٣ ] وقوله ﴿سَبْعاً شداداً﴾ [ النبأ : ١٢ ] وتعسفوا فيه لأن قوله تعالى :﴿مَّا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾ صريح في عدم ذلك، والإخبار عن عدم الشيء لا يكون إخباراً عن عدم إمكانه فإن من قال : ما لفلان قال ؟ لا يدل على نفي إمكانه، ثم إنه تعالى بيّن خلاف قولهم بقوله ﴿وَإِذَا السماء فُرِجَتْ﴾ [ المرسلات : ٩ ] وقال :﴿إِذَا السماء انفطرت﴾ [ الانفطار : ١ ] وقال :﴿فَهِىَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ [ الحاقة : ١٦ ] في مقابلة قوله ﴿سَبْعاً شِدَاداً﴾ وقال :﴿فَإِذَا انشقت السماء فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان﴾ [ الرحمن : ٣٧ ] إلى غير ذلك والكل في الرد عليهم صريح وما ذكروه في الدلالة ليس بظاهر، بل وليس له دلالة خفية أيضاً، وأما دليلهم المعقول فأضعف وأسخف من تمسكهم بالمنقول.
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧)