و :﴿ هل من محيص ﴾ توقيف وتقرير، أي لا محيص، والمحيص : المعدل موضع الحيص وهو الروغان والحياد، قال قتادة : حاص الكفرة فوجدوا أمر الله منيعاً مدركاً، وفي صدر البخاري فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب. وقال ابن عبد شمس في وصف ناقته :[ الوافر ]
إذا حاص الدليل رأيت منها... جنوحاً للطريق على اتساق
وقرأ أبو عمرو في رواية عبيد عنه :" فنقَبوا " بفتح القاف وتخفيفها هي بمعنى التشديد، واللفظة أيضاً قد تقال بمعنى البحث والطلب، تقول : نقب عن كذا اي استقصى عنه، ومنه نقيب القوم لأنه الذي يبحث عن أمورهم ويباحث عنها، وهذا عندي تشبيه بالدخول من الأنقاب.
وقوله تعالى :﴿ إن في ذلك ﴾ يعني إهلاك من مضى، والذكرى : التذكرة، والقلب : عبارة عن العقل إذ هو محله. والمعنى :﴿ لمن كان له قلب ﴾ واع ينتفع به. وقال الشبلي معناه : قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين.
وقوله تعالى :﴿ أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ معناه : صرف سمعه إلى هذه الأنباء الواعظة وأثبته في سماعها، فذلك إلقاء له عليها، ومنه قوله تعالى :﴿ وألقيت عليك محبة مني ﴾ [ طه : ٣٩ ] أي أثبتها عليك، وقال بعض الناس قوله تعالى :﴿ ألقى السمع ﴾، وقوله :﴿ ضربنا على آذانهم ﴾ [ الكهف : ١١ ] وقوله :﴿ سقط في أيديهم ﴾ [ الأعراف : ١٤٩ ] هي كلها مما قل استعمالها الآن وبعدت معانيها.
قال القاضي أبو محمد : وقول هذا القائل ضعيف، بل هي بينة المعاني، وقد تقدمت في موضعها.
وقوله تعالى :﴿ وهو شهيد ﴾ قال بعض المتأولين : معناه : وهو مشاهد مقبل على الأمر غير معرض ولا منكر في غير ما يسمع. وقال قتادة : هي إشارة إلى أهل الكتاب، فكأنه قال : إن هذه العبرة التذكرة لمن له فهم فيتدبر الأمر أو لمن سمعها من أهل الكتاب فيشهد بصحتها لعلمه بها من كتابه التوراة وسائر كتب بني إسرائيل : ف ﴿ شهيد ﴾ على التأويل الأول من المشاهدة، وعلى التأويل الثاني من الشهادة.