القائل ههنا واحد، وقال ﴿رَبَّنَا﴾ ولم يقل رب، وفي كثير من المواضع مع كون القائل واحداً، قال رب، كما في قوله ﴿قَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] وقول نوح ﴿رَبّ اغفر لِى﴾ [ نوح : ٢٨ ] وقوله تعالى :﴿قَالَ رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ﴾ [ يوسف : ٣٣ ] وقوله ﴿قَالَتْ رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الجنة﴾ [ التحريم : ١١ ] إلى غير ذلك، وقوله تعالى :﴿قَالَ رَبّ أَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [ ص : ٧٩ ] نقول في جميع تلك المواضع القائل طالب، ولا يحسن أن يقول الطالب : يا رب عمرني واخصصني وأعطني كذا، وإنما يقول : أعطنا لأن كونه رباً لا يناسب تخصيص الطالب، وأما هذا الموضع فموضع الهيبة والعظمة وعرض الحال دون الطلب فقال :﴿رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ﴾.
وقوله تعالى :﴿ولكن كَانَ فِى ضلال بَعِيدٍ ﴾.
يعني أن ذلك لم يكن بإطغائه، وإنما كان ضالاً متغلغلاً في الضلال فطغى، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
ما الوجه في اتصاف الضلال بالبعيد ؟ نقول الضال يكون أكثر ضلالاً عن الطريق، فإذا تمادى في الضلال وبقي فيه مدة يبعد عن المقصد كثيراً، وإذا علم الضلال قصر في الطريق من قريب فلا يبعد عن المقصد كثيراً، فقوله ﴿ضلال بَعِيدٍ﴾ وصف المصدر بما يوصف به الفاعل، كما يقال كلام صادق وعيشة راضية أي ضلال ذو بعد، والضلال إذا بعد مداه وامتد الضال فيه يصير بيناً ويظهر الضلال، لأن من حاد عن الطريق وأبعد عنه تتغير عليه السمات والجهات ولا يرى عين المقصد ويتبين له أنه ضل عن الطريق، وربما يقع في أودية ومفاوز ويظهر له أمارات الضلال بخلاف من حاد قليلاً، فالضلال وصفه الله تعالى بالوصفين في كثير من المواضع فقال تارة في ضلال مبين وأخرى قال :﴿فِى ضلال بَعِيدٍ ﴾.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon