والخبر الذي أفاده قوله :﴿ وكم أهلكنا قبلهم ﴾ تعريض بالتهديد وتسلية للنبيء ﷺ وضميرا ﴿ قبلهم ﴾ و ﴿ منهم ﴾ عائدان إلى معلوم من المقام غير مذكور في الكلام كما تقدم في قوله أول السورة من قوله :﴿ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ويفسره قوله بعده فقال الكافرون هذا شيء عجيب ﴾ [ ق : ٢ ].
وجرى على ذلك السَّنَن قوله :﴿ كَذَّبت قبلهم قوم نوح ﴾ وقوله :﴿ بل هم في لبس من خلق جديد ﴾ [ ق : ١٥ ]، ونظائره في القرآن كثيرة.
و﴿ كم ﴾ خبرية وجرّ تمييزها بـ ﴿ من ﴾ على الأصل.
والبطش : القوة على الغير.
والتنقيب : مشتق من النقْب بسكون القاف بمعنى الثقب، فيكون بمعنى : خَرَقوا، واستعير لمعنى : ذللوا وأخضعوا، أي تصرفوا في الأرض بالحفر الغرس والبناء وتحت الجبال وإقامة السداد والحصون فيكون في معنى قوله :﴿ وأثارُوا الأرض وعَمَرُوها ﴾ في سورة الروم ( ٩ ).
وتعريف البلاد } للجنس، أي في الأرض كقوله تعالى :﴿ الذين طغوا في البلاد ﴾ [ الفجر : ١١ ].
والفاء في ﴿ فنقبوا ﴾ لتفريع عن ﴿ أشد منهم بطشاً ﴾، أي ببطشهم وقوتهم لقبوا في البلاد.
والجملة معترضة بين جملة ﴿ وكم أهلكنا قبلهم ﴾ إلى آخره.
وجملة ﴿ هل من محيص ﴾ كما اعترض بالتفريع في قوله تعالى :﴿ ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ﴾ [ الأنفال : ١٤ ].
وجملة ﴿ هل من محيص ﴾ بدل اشتمال من جملة ﴿ أهلكنا ﴾، أي إهلاكاً لا منجى منه.
ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة.
فالاستفهام إنكاري بمعنى النفي، ولذلك دخلت ﴿ من ﴾ على الاسم الذي بعد الاستفهام كما يقال : ما مِن محيص، وهذا قريب من قوله في سورة ص ( ٣ ) ﴿ كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولاتَ حين مناص ﴾
والمحيص : مصدر ميمي من حَاص إذا عَدَل وجاد، أي لم يجدوا محيصاً من الإهلاك وهو كقوله تعالى :﴿ وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد ﴾ في سورة مريم ( ٩٨ ).


الصفحة التالية
Icon