وتقاذفت به أمواجها لم يثبت قلبه في أوائل الصدمات ولم يبادر إذ ذاك إلى رؤية الأسباب كلها من الأول الذي دلت على وحدانيته وأوليته البراهين القطعية والمشاهدة الإيمانية فهذا عالم بالتوحيد غير واجد لمقامه ولا متصف بحال أكسبه إياها التوحيد فإذا وجد قلبه وقت اختلاف الأحوال وتباين الأسباب واثقا بربه مقبلا عليه مستغرقا في شهود وحدانيته في ربوبيته وإلهيته فإنه وحده هو المنفرد بتدبير عباده فقد وجد مقام التوحيد وحاله وأهل هذا المقام متفاوتون في شهوده تفاوتا عظيما من مدرك لما هو فيه متنعم متلذذ في وقت دون وقت ومن غالب عليه هذه الحال ومن مستغرق غائب عن حظه ولذته بما هو فيه من وجوده فنور الوجود قد غشي مشاهدته لحاله ولم يصل إلى مقام الجمع بل قد أناخ بفنائه والوجود عنده هو حضرة الجمع ويسمى حضرة الوجود قوله منيخة بفناء الجمع يعني قد شارفت مشاهدته لحاله منزل الجمع وأناخت به وتهيأ لدخوله وهذه استعارة فكأنه مثل المشاهد بالمسافر ومثل مشاهدته بناقته التي يسافر عليها فإنها الحاملة له وشبه حضرة الجمع بالمنزل والدار وقد أناخ المسافر بفنائها وهذا إشارة منه إلى إشرافه عليها وأن نور الوجود لا يلوح إلا منها.
فصل قال الدرجة الثانية مشاهدة معاينة تقطع حبال الشواهد وتلبس.
نعوت القدس وتخرس ألسنة الإشارات إنما كانت هذه الدرجة أعلى مما قبلها لأن تلك الدرجة مشاهدة برق عن العلم النظري بالتوحيد وتمكنت في وجود التوحيد حتى صار صاحبها يرى الأسباب كلها عن واحد متقدم عليها لا أول لوجوده حالا وذوقا وأناخ بفناء الجمع ليتبوأه منزلا لتوحيده ولكنه بعد لم يكمل استغراقه عن شهود رسمها.