واستغراقه في حظوظه وأحكام نفسه وطبيعته فلا تسمح نفوسهم بقبول قوله والرجوع إليه فلو وجدوا عارفا ذا قرآن وإيمان ينادي القرآن والإيمان على معرفته وتدل معرفته على مقتضى الإيمان والقرآن محكما للوحي على الذوق مستخرجا أحكام الذوق من الوحي ليس فظا ولا غليظا ولا مدعيا ولا محجوبا بالوسائل عن الغايات إشارته دون مقامه ومقامه فوق إشارته إن أشارة أشار بالله مستشهدا بشواهد الله وإن سكت سكت بالله عاكفا بسره وقلبه على الله فلو وجدوا مثل هذا لكان الصادقون أسرع إليه من النار في يابس الحطب والوقود والله المستعان قوله وقطع حبال الشواهد شبه الشواهد بالحبال التي تجذب العبد إلى مطلوبه وهذا إنما يكون مع الغيبة عنه فإذا صار الأمر إلى العيان انقطعت حينئذ حبال الشواهد بحكم المعاينة قوله وتلبس نعوت القدس القدس هو النزاهة والطهارة ونعوت القدس هي صفاته فيلبسه الحق سبحانه من تلك النعوت ما يليق به واستعار لذلك لفظة اللبس فإن تلك الصفات خلع وخلع الحق سبحانه وتعالى يلبسها من يشاء من عباده وهذا موضع يتوارد عيه الموحدون والملحدون فالموحد يعتقد أن الذي ألبسه الله إياه هو صفات جمل اليه بها ظاهره وباطنه وهي صفات مخلوقه ألبست عبدا مخلوقا فكسى عبده حلة من حلل فضله وعطائه.
والملحد يقول كساه نفس صفاته وخلع عليه خلعة من صفات ذاته حتى صار شبيها به بل هو هو ويقولون الوصول هو التشبه بالإله على قدر الطاقة وبعضهم يلطف هذا المعنى ويقول بل يتخلق بأخلاق الرب ورووا في ذلك أثرا باطلا تخلقوا بأخلاق الله وليس ههنا غير التعبد بالصفات الجميلة والأخلاق الفاضلة التي يحبها الله ويخلقها لمن يشاء من عباده فالعبد مخلوق وخلعته مخلوقة وصفاته مخلوقة والله سبحانه وتعالى بائن بذاته وصفاته عن خلقه لا يمازجهم ولا يمازجونه ولا يحل فيهم ولا يحلون فيه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.