ثانياً : والخلق الجديد كما قال تعالى :﴿أَفَعَيِينَا بالخلق الأول﴾ [ ق : ١٥ ] وأما ما قاله اليهود ونقلوه من التوراة فهو إما تحريف منهم أو لم يعلموا تأويله، وذلك لأن الأحد والاثنين أزمنة متميز بعضها عن بعض، فلو كان خلق السموات ابتدىء يوم الأحد لكان الزمان متحققاً قبل الأجسام والزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل خلق الأجسام أجسام أُخر فيلزم القول بقدم العالم وهو مذهب الفلاسفة، ومن العجيب أن بين الفلاسفة والمشبهة غاية الخلاف، فإن الفلسفي لا يثبت لله تعالى صفة أصلاً ويقول بأن الله تعالى لا يقبل صفة بل هو واحد من جميع الوجوه، فعلمه وقدرته وحياته هو حقيقته وعينه وذاته، والمشبهي يثبت لله صفة الأجسام من الحركة والسكون والاستواء والجلوس والصعود والنزول فبينهما منافاة، ثم إن اليهود في هذا الكلام جمعوا بين المسألتين فأخذوا بمذهب الفلاسفة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي القدم حيث أثبتوا قبل خلق الأجسام أياماً معدودة وأزمنة محدودة، وأخذوا بمذهب المشبهة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي الاستواء على العرش فأخطأوا ( وضلوا ) وأضلوا في الزمان والمكان جميعاً.
ثم قال تعالى :﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ قال من تقدم ذكرهم من المفسرين إن معناه اصبر على ما يقولون من حديث التعب بالاستلقاء، وعلى ما قلنا معناه اصبر على ما يقولون إن هذا لشيء عجيب، ﴿وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ﴾ وما ذكرناه أقرب لأنه مذكور، وذكر اليهود وكلامهم لم يجر.
وقوله :﴿وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ﴾ يحتمل وجوهاً.
أحدها : أن يكون الله أمر النبي ﷺ بالصلاة، فيكون كقوله تعالى :﴿وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل﴾ [ هود : ١١٤ ].
وقوله تعالى :﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب﴾ إشارة إلى طرفي النهار.


الصفحة التالية
Icon