البحث الثالث : الفاء في قوله تعالى :﴿فَسَبّحْهُ﴾ ما وجهها ؟ نقول هي تفيد تأكيد الأمر بالتسبيح من الليل، وذلك لأنه يتضمن الشرط كأنه يقول : وأما من الليل فسبحه، وذلك لأن الشرط يفيد أن عند وجوده يجب وجود الجزاء، وكأنه تعالى يقول النهار محل الاشتغال وكثرة الشواغل، فأما الليل فمحل السكون والانقطاع فهو وقت التسبيح، أو نقول بالعكس الليل محل النوم والثبات والغفلة، فقال : أما الليل فلا تجعله للغفلة بل اذكر فيه ربك ونزهه.
البحث الرابع :﴿مِنْ﴾ في قوله :﴿وَمِنَ الليل﴾ يحتمل وجهين.
أحدهما : أن يكون لابتداء الغاية أي من أول الليل فسبحه، وعلى هذا فلم يذكر له غاية لاختلاف ذلك بغلبة النوم وعدمها، يقال أنا من الليل أنتظرك.
ثانيهما : أن يكون للتبعيض أي اصرف من الليل طرفاً إلى التسبيح يقال : من مالك منع ومن الليل انتبه، أي بعضه.
البحث الخامس : قوله :﴿وأدبار السجود﴾ عطف على ماذا ؟ نقول : يحتمل أن يكون عطفاً على ما قبل الغروب كأنه تعالى قال :( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وأدبار السجود ) وذكر بينهما قوله :﴿وَمِنَ الليل فَسَبّحْهُ﴾ وعلى هذا ففيه ما ذكرنا من الفائدة وهي الأمر بالمداومة، كأنه قال : سبح قبل طلوع الشمس، وإذا جاء وقت الفراغ من السجود قبل الطلوع فسبح وسبح قبل الغروب، وبعد الفراغ من السجود قبل الغروب سبحه فيكون ذلك إشارة إلى صرف الليل إلى التسبيح، ويحتمل أن يكون عطفاً على ﴿وَمِنَ الليل فَسَبّحْهُ﴾ وعلى هذا يكون عطفاً على الجار والمجرور جميعاً، تقديره وبعض الليل ( فسبحه وأدبار السجود ). أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ١٥٨ ـ ١٦١﴾


الصفحة التالية
Icon