البحث الثاني : لو قال قائل : كان ينبغي أن لا يجوز إخلاء خبر ما عن الباء، كما لا يجوز إدخال الباء في خبر كان وخبر ليس يجوز فيه الأمران وتقرير هذا السؤال هو أن كان لما كان فعلاً ظاهراً جعلناه بمنزلة ضرب حيث منعنا دخول الباء في خبره كما منعناه في مفعوله، وليس لما كان فعلاً من وجه نظراً إلى قولنا لست ولسنا ولستم، ولم يكن فعلاً ظاهراً نظراً إلى صيغ الاستقبال والأمر جعلناه متوسطاً وجوزنا إدخال الباء في خبره وتركه، كما قلنا في مفعول شكرته وشكرت له، وما لما لم يكن فعلاً بوجه كان ينبغي أن يكون بمنزلة الفعل الذي لا يتعدى إلى المفعول إلا بالحرف وكان ينبغي أن لا يجيء خبره إلا مع الباء كما لا يجيء مفعول ذهب إلا مع الباء، ويؤيد هذا أنا فرقنا بين ما وليس وكان، وجعلنا لكل واحدة مرتبة ليست للأخرى فجوزنا تأخير كان في اللفظ حيث جوزنا أن يقول القائل زيد خارجاً كان وما جوزنا زيد خارجاً ليس، لأن كان فعل ظاهر وليس دونه في الظهور، وما جوزنا تأخير ما عن أحد شطري الكلام أيضاً بخلاف ليس، حيث لا يجوز أن يقول القائل : زيد ما بظلام، إلا أن يعيد ما يرجع إليه فيقول زيد ما هو بظلام فصار بينهما ترتيب ما يوجه، وليس يؤخر عن أحد الشطرين ولا يؤخر في الكلام بالكلية، وكان يؤخر بالكلية لما ذكرنا من الظهور والخفاء، فكذلك القول في إلحاق الباء كان ينبغي أن لا يصح إخلاء خبر ما عن الباء، وفي ليس يجوز الأمران، وفي كان لا يجوز الإدخال، وهذا هو المعتمد عليه في لغة بني تميم حيث قالوا : إن ما بعد ما إذا جعل خبراً يجب إدخال الباء عليه فإن لم تدخل عليه يكون ذلك معرباً على الابتداء أو على وجه آخر ولا يكون خبراً، والجواب عن السؤال هو أن نقول الأكثر إدخال الباء في خبر ما ولا سيما في القرآن قال الله تعالى :﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِى العمى عَن ضلالتهم﴾ [ الروم : ٥٣ ]، ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ﴾ [ فاطر : ٢٢ ]، {وَمَا