وهذا أصح على ما بيناه في سورة "الفُرقان".
وفي صحيح مسلم والبخاري والترمذيّ عن أنس بن مالك : عن النبيّ ﷺ قال :" لا تزال جهنم يُلْقَى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع ربُّ العزة فيها قَدَمه فيَنْزَوِي بعضها إلى بعض وتقول قَطْ قَطِ بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فَضلٌ حتى يُنشىءَ الله لها خلقاً فيسكنَهم فَضْلَ الجنة " لفظ مسلم.
وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة :" وأما النار فلا تمتلىء حتى يضع الله عليها رِجْله يقول لها قَطْ قَطْ فهنالك تمتلىء ويَنْزَوِي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحداً وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً " قال علماؤنا رحمهم الله : أما معنى القَدم هنا فهم قوم يُقدِّمهم الله إلى النار، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار.
وكذلك الرِّجْل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم ؛ يقال : رأيت رِجْلاً من الناس ورِجْلاً من جَرَاد، قال الشاعر :
فمرَّ بنا رِجْلٌ من الناس وانْزَوَى...
إليهم من الحيِّ اليمانينَ أَرْجُلُ
قبائلُ من لَخْمٍ وعُكْلٍ وحِمْيَرٍ...
على ابني نِزارٍ بالعَدَاوة أحْفَلُ
ويبين هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال : ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مِقمَع ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى ( كل واحد منهم ) ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة : قَطْ قَطْ حسبُنا حسبنا أي اكتفينا اكتفينا، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر.
فعبّر عن ذلك الجمع المنتظر بالرِّجل والقَدَم ؛ ويشهد لهذا التأويل قوله في نفس الحديث :" ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىءَ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة " وقد زدنا هذا المعنى بياناً ومهدناه في كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله.


الصفحة التالية
Icon