﴿ قَالَ قرِينُهُ ﴾ أي الشيطان المقيض له، وإنما استؤنفت هذه الجملة استئناف الجمل الواقعة في حكاية المقاولة لما أنها جواب لمحذوف دل عليه قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ﴾ فإنه مبني على سابقة كلام اعتذر به الكافر كأنه قال : هو أطغاني فأجاب قرينه بتكذيبه وإسناد الطغيان إليه بخلاف الجملة الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها دلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين، وقول قرينه :﴿ وَلَكِن كَانَ ﴾ هو بالذات ﴿ فِى ضلال بَعِيدٍ ﴾ من الحق فاعنته عليه بالإغواء والدعوة إليه من غير قسر ولا الجاء، فهو كما قدمنا نظير ﴿ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] الخ.
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨)
﴿ قَالَ ﴾ استئناف مبني على سؤال نشأ مما قبله كأن قيل : فماذا قال الله تعالى؟ فقيل : قال عز وجل :﴿ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ ﴾ أي في موقف الحساب والجزاء إذ لا فائدة في ذلك ﴿ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد ﴾ على الطغيان في دار الكسب في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلا تطمعوا في الخلاص عنه بما أنتم فيه من التعلل بالمعاطير الباطلة، والجملة حال فيها تعليل للنهي ويلاحظ معنى العلم لتحصل المقارنة التي تقتضيها الحالية أي لا تختصموا لدى عالمين أني قدمت إليكم بالوعيد حيث قلت لإبليس :﴿ لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ﴾ [ ص : ٨٥ ] فاتبعتموه معرضين عن الحق ؛ والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم وهو لازم يعدي بالباء، وجوز أن يكون ﴿ قَدَّمْتُ ﴾ واقعاً على قوله تعالى :
﴿ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ ﴾ الخ