وعلى الاختلاف في المراد بالقرين يختلف تفسير قوله :﴿ هذا ما لدي عتيد ﴾ فإن كان القرين الملَكَ كانت الإشارة بقوله ﴿ هذا ﴾ إلى العذاب الموكَّل به ذلك المَلكُ ؛ وإن كان القرين شيطاناً أو إنساناً كانت الإشارة محتمِلة لأن تعود إلى العذاب كما في الوجه الأول، أو أن تعود إلى معاد ضمير الغيبة في قوله :﴿ قرينه ﴾ وهو نفس الكافِر، أي هذا الذي معي، فيكون ﴿ لديَّ ﴾ بمعنى : معي، إذ لا يخلو أحد من صاحببٍ يأنس بمحادثته والمراد به قرين الشرك المماثل.
وقد ذكر الله من كان قريناً للمؤمن من المشركين واختلاف حاليهما يوم الجزاء بقوله ﴿ قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئِنّك لمن المصدقين ﴾ الآية في سورة الصافات ( ٥١، ٥٢ ).
وقول القرين هذا ما لدي عتيد } مستعمل في التلهف والتحسر والإشفاق، لأنه لما رأى ما به العذاب علم أنه قد هُيّىء له، أو لمَّا رأى ما قدم إليه قرينه علم أنه لاحِق على أثره كقصة الثورين الأبيض والأحمر اللذين استعان الأسد بالأحمر منهما على أكل الثور الأبيض ثم جاء الأسد بعد يوم ليأكل الثور الأحمر فَعَلا الأحمر ربوة وصاح ألا إنما أكلت يومَ أكل الثور الأبيض.
وتقدم معنى ﴿ عَتيد ﴾ عند قوله تعالى :﴿ إلا لديه رقيب عتيد ﴾ [ ق : ١٨ ]، وهو هنا متعيّن للمعنى الذي فسر عليه المفسرون، أي مُعَدٌّ ومهيَّأ.
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥)
انتقال من خطاب النفس إلى خطاب الملكين الموكليْن السائق والشهيد.
والكلام مقول قول محذوف.
والجملة استئناف ابتدائي انتقال من خطاب فريق إلى خطاب فريق آخر، وصيغة المثنى في قوله :﴿ ألْقِيا ﴾ تجوز أن تكون مستعملة في أصلِها فيكون الخطاب للسائق والشهيد.