وفعل ﴿ كان ﴾ لإفادة أن الضلال ثابت له بالأصالة ملازم لتكوينه.
والبعيد : مستعار للبالغ في قوة النوع حدًّا لا يَبلغ إليه إدراك العاقِل بسهولة كما لا يبلغ سيرُ السائر إلى المكان البعيد إلا بمشقةٍ أو بعيد الزمان، أي قديم أصيل فيكون تأكيدا لمفاد فعل ﴿ كان ﴾، وقد تقدم عند قوله تعالى :﴿ ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالاً بعيداً ﴾ في سورة النساء ( ١١٦ ).
والمعنى : أنَّ تمكُّن الضلال منه يدل على أنه ليس فيه بتابع لما يمليه غيره عليه لأن شأن التابع في شيء أن لا يكون مكيناً فيه مثل علم المقلد وعلم النظَّار.
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨)
هذا حكاية كلام يصدر يومئذٍ من جانب الله تعالى للفريقين الذي اتَّبعوا والذين اتُّبعوا، فالضمير عائد على غير مذكور في الكلام يدل عليه قوله :﴿ فكشفنا عنكَ غطاءك ﴾ [ ق : ٢٢ ].
وعدم عطف فعل ﴿ قال ﴾ على ما قبله لوقوعه في معرض المقاولة، والتعبير بصيغة الماضي لتحقق وقوعه فقد صارت المقاولة بين ثلاثةِ جوانب.
والاختصام : المخاصمة وهو مصدر بصيغة الافتعال التي الأصل فيها أنها لمطاوعة بعض الأفعال فاستعملت للتفاعل مثل : اجتوروا واعتوروا واختصموا.
والنهي عن المخاصمة بينهم يقتضي أن النفوس الكافرة ادعت أن قرناءها أطْغَوْها، وأن القرناء تنصلوا من ذلك وأن النفوس أعادت رَمي قرنائها بذلك فصار خصاماً فلذلك قال الله تعالى :﴿ لا تختصموا لدى ﴾ وطوي ذكره لدلالة ﴿ لا تختصموا ﴾ عليه إيثارا لحق الإيجاز في الكلام.
والنهي عن الاختصام بعد وقوعه بتأويل النهي عن الدوام عليه، أي كفوا عن الخصام.


الصفحة التالية
Icon