﴿مالك يَوْمِ الدين﴾ [ الفاتحة : ٤ ] أي يخلقنا ثانياً، ورحيم يرزقنا ويكون هو المالك في ذلك اليوم، إذا علمت هذا فمن يكون منه وجود الإنسان لا يكون خوفه خشية من غيره، فإن القائل يقول لغيره أخاف منك أن تقطع رزقي أو تبدل حياتي، فإذا كان الله تعالى رحماناً منه الوجود ينبغي أن يخشى، فإن من بيده الوجود بيده العدم، وقال ﷺ :" خشية الله رأس كل حكمة " وذلك لأن الحكيم إذا تفكر في غير الله وجده محل التغير يجوز عليه العدم في كل طرفة عين، وربما يقدر الله عدمه قبل أن يتمكن من الإضرار، لأن غير الله إن لم يقدر الله أن يضر لا يقدر على الضرر وإن قدر عليه بتقدير الله فسيزول الضرر بموت المعذب أو المعذب، وأما الله تعالى فلا راد لما أراد ولا آخر لعذابه، وقال تعالى :﴿بالغيب﴾ أي كانت خشيتهم قبل ظهور الأمور حيث ترى رأي العين، وقوله تعالى :﴿وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ إشارة إلى صفة مدح أخرى، وذلك لأن الخاشي قد يهرب ويترك القرب من المخشي ولا ينتفع، وإذا علم المخشي أنه تحت حكمه تعالى علم أنه لا ينفعه الهرب، فيأتي المخشي وهو ( غير ) خاش فقال :﴿وَجَاء﴾ ولم يذهب كما يذهب الآبق، وقوله تعالى :﴿بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ الباء فيه يحتمل وجوهاً ذكرناها في قوله تعالى :﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ﴾ [ ق : ١٩ ].
أحدها : التعدية أي أحضر قلباً سليماً، كما يقال ذهب به إذا أذهبه.
ثانيها : المصاحبة يقال : اشترى فلان الفرس بسرجه أي مع سرجه، وجاء فلان بأهله أي مع أهله.