ثانيهما : اطمئنان القلب بالقول أكثر، قال الزمخشري في قوله :﴿يَوْمُ الخلود﴾ إضمار تقديره : ذلك يوم تقدير الخلود، ويحتمل أن يقال اليوم يذكر، ويراد الزمان المطلق سواء كان يوماً أو ليلاً، نقول : يوم ولد لفلان ابن يكون السرور العظيم، ولو ولد له بالليل لكان السرور حاصلاً، فتريد به الزمان، فكأنه تعالى قال : ذلك زمان الإقامة الدائمة.
ثم قال تعالى :
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)
وفي الآية ترتيب في غاية الحسن، وذلك لأنه تعالى بدأ ببيان إكرامهم حيث قال :﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ﴾ [ الشعراء : ٩٠ ] ولم يقل : قرب المتقون من الجنة بياناً للإكرام حيث جعلهم ممن تنقل إليهم الجنان بما فيها من الحسان، ثم قال لهم هذا لكم، بقوله :﴿هذا مَا تُوعَدُونَ﴾ [ ق : ٣٢ ] ثم بيّن أنه أجر أعمالهم الصالحة بقوله :﴿لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ وقوله ﴿مَّنْ خَشِىَ الرحمن﴾ [ ق : ٣٣ ] فإن تصرف المالك الذي ملك شيئاً بعوض أتم فيه من تصرف من ملك بغير عوض، لإمكان الرجوع في التمليك بغير عوض، ثم زاد في الإكرام بقوله :﴿ادخلوها﴾ [ ق : ٣٤ ] كما بينا أن ذلك إكرام، لأن من فتح بابه للناس، ولم يقف ببابه من يرحب الداخلين، لا يكون قد أتى بالإكرام التام، ثم قال :﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخلود﴾ [ ق : ٣٤ ] أي لا تخافوا ما لحقكم من قبل حيث أخرج أبويكم منها، فهذا دخول لا خروج بعده منها.
ثم لما بيّن أنهم فيها خالدون قال : لا تخافوا انقطاع أرزاقكم وبقاءكم في حاجة، كما كنتم في الدنيا من كان يعمر ينكس ويحتاج، بل لكم الخلود، ولا ينفد ما تمتعون به فلكم ما تشاءون في أي وقت تشاءون، وإلى الله المنتهى، وعند الوصول إليه، والمثول بين يديه، فلا يوصف ما لديه، ولا يطلع أحد عليه، وعظمة من عنده تدلك على فضيلة ما عنده، هذا هو الترتيب، وأما التفسير، ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :