الأول : على قراءة من قرأ بالتشديد يحتمل أن يقال هو مفعول، أي بحثوا عن المحيص ﴿هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴾.
الثاني : على القراءات جميعاً استفهام بمعنى الإنكار أي لم يكن لهم محيص.
الثالث : هو كلام مستأنف كأنه تعالى يقول لقوم محمد ﷺ هم أهلكوا مع قوة بطشهم فهل من محيص لكم تعتمدون عليه والمحيص كالمحيد غير أن المحيص معدل ومهرب عن الشدة، يدلك عليه قولهم وقعوا في حيص بيص أي في شدة وضيق، والمحيد معدل وإن كان لهم بالاختيار يقال حاد عن الطريق نظراً، ولا يقال حاص عن الأمر نظراً.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ فِى ذلك لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾.
الإشارة إلى الإهلاك ويحتمل أن يقال هو إشارة إلى ما قاله من إزلاف الجنة وملء جهنم وغيرهما، والذكرى اسم مصدر هو التذكر والتذكرة وهي في نفسها مصدر ذكره يذكره ذكراً وذكرى وقوله لمن ﴿كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ قيل : المراد قلب موصوف بالوعي، أي لمن كان له قلب واع يقال لفلان مال أي كثير فالتنكير يدل على معنى في الكمال، والأولى أن يقال هو لبيان وضوح الأمر بعد الذكر وأن لا خفاء فيه لمن كان له قلب ما ولو كان غير كامل، كما يقال أعطه شيئاً ولو كان درهماً، ونقول الجنة لمن عمل خيراً ولو حسنة، فكأنه تعالى قال : إن في ذلك لذكرى لمن يصح أن يقال له قلب وحينئذ فمن لا يتذكر لا قلب له أصلاً كما في قوله تعالى :﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ﴾ [ البقرة : ١٨ ] حيث لم تكن آذانهم وألسنتهم وأعينهم مفيدة لما يطلب منها كذلك من لا يتذكر كأنه لا قلب له، ومنه قوله تعالى :﴿كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] أي هم كالجماد وقوله تعالى :﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾ [ المنافقون : ٤ ] أي لهم صور وليس لهم قلب للذكر ولا لسان للشكر.