الثاني : الصيحة بالحق أي باليقين والحق هو اليقين، يقل صاح فلان بيقين لا بظن وتخمين أي وجد منه الصياح يقيناً لا كالصدى وغيره وهو يجري مجرى الصفة للصيحة، يقال استمع سماعاً بطلب، وصاح صيحة بقوة أي قوية فكأنه قال الصيحة المحققة.
الثالث : أن يكون معناه الصيحة المقترنة بالحق وهو الوجود، يقال كن فيتحقق ويكون، ويقال اذهب بالسلام وارجع بالسعادة أي مقروناً ومصحوباً، فإن قيل زد بياناً فإن الباء في الحقيقة للإلصاق فكيف يفهم معنى الإلصاق في هذه المواضع ؟ نقول التعدية قد تتحقق بالباء يقال ذهب بزيد على معنى ألصق الذهاب بزيد فوجد قائماً به فصار مفعولاً، فعلى قولنا المراد يسمعون صيحة من صاح بيا عظام اجتمعي هو تعدية المصدر بالباء يقال أعجبني ذهاب زيد بعمرو، وكذلك قوله :﴿الصيحة بالحق﴾ أي ارفع الصوت على الحق وهو الحشر، وله موعد نبينه في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني : أن يكون الحق متعلقاً بقوله :﴿يَسْمَعُونَ﴾ أي يسمعون الصيحة بالحق وفيه وجهان.
الأول : هو قول القائل سمعته بيقين.
الثاني : الباء في يسمعون بالحق قسم أي يسمعون الصيحة بالله الحق وهو ضعيف وقوله تعالى :﴿ذَلِكَ يَوْمُ﴾ فيه وجهان.
أحدهما : ذلك إشارة إلى يوم أي ذلك اليوم يوم الخروج.
ثانيهما : ذلك إشارة إلى نداء المنادي.
ثم قال تعالى :
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣)
قد ذكرنا في سورة ياس ما يتعلق بقوله :﴿إِنَّا نَحْنُ﴾، وأما قوله :﴿نحيي ونميت﴾ فالمراد من الإحياء الإحياء أولاً ﴿وَنُمِيتُ﴾ إشارة إلى الموتة الأولى وقوله :﴿وَإِلَيْنَا﴾ بيان للحشر فقدم ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ لتعريف عظمته يقول القائل أنا أنا أي مشهور و ﴿نحيي ونميت﴾ أمور مؤكدة معنى العظمة ﴿وَإِلَيْنَا المصير﴾ بيان للمقصود.