أحدها : أنا بينا في أحد الوجوه أن قوله تعالى :﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ﴾ [ ق : ٣٩ ] معناه أقبل على العبادة، ثم قال : ولا تترك الهداية بالكلية بل وذكر المؤمنين ﴿فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ [ الذاريات : ٥٥ ] ﴿وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين﴾ [ الأعراف : ١٩٩ ] وقوله :﴿بالقرءان﴾ فيه وجوه.
الأول : فذكر بما في القرآن واتل عليهم القرآن يحصل لهم بسبب ما فيه المنفعة.
الثاني :﴿فَذَكّرْ بالقرءان﴾ أي بيّن به أنك رسول لكونه معجزاً، وإذا ثبت كونك رسولاً لزمهم قبول قولك في جميع ما تقول به.
الثالث : المراد فذكر بمقتضى ما في القرآن من الأوامر الواردة بالتبليغ والتذكير، وحينئذ يكون ذكر القرآن لانتفاع النبي ﷺ به أي اجعل القرآن إمامك، وذكرهم بما أخبرت فيه بأن تذكرهم، وعلى الأول معناه اتل عليهم القرآن ليتذكروا بسببه، وقوله تعالى :﴿مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ من جملة ما يبين كون الخشية دالة على عظمة المخشي أكثر مما يدل عليه الخوف، حيث قال :﴿يَخَافُ﴾ عندما جعل المخوف عذاب ووعيده، وقال :﴿اخشوني﴾ [ البقرة : ١٥٠ ] عندما جعل المخوف نفسه العظيم، وفي هذه الآية إشارة إلى الأصول الثلاثة، وقوله :﴿وَذَكَرَ﴾ إشارة إلى أنه مرسل مأمور بالتذكير منزل عليه القرآن حيث قال :﴿بالقرءان﴾ وقوله :﴿وَعِيدِ﴾ إشارة إلى اليوم الآخر وضمير المتكلم في قوله :﴿وَعِيدِ﴾ يدل على الوحدانية، فإنه لو قال من يخاف وعيد الله كان يذهب وهم الله إلى كل صوب فلذا قال :﴿وَعِيدِ﴾ والمتكلم أعرف المعارف وأبعد عن الإشراك به وقبول الاشتراك فيه، وقد بينا في أول السورة أن أول السورة وآخرها متقاربان في المعنى حيث قال في الأول :﴿ق والقرءان المجيد﴾ [ ق : ١ ] وقال في آخرها :﴿فَذَكّرْ بالقرءان ﴾.


الصفحة التالية
Icon