وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ ﴾
شروعٌ في بيانِ حالِ المؤمنينَ بعدَ النفخِ ومجيءِ النفوسِ إِلى موقفِ الحسابِ، وقدْ مرَّ سِرُّ تقديمِ بيانِ حالِ الكفرةِ عليهِ وهو عطفٌ عَلى نُفِخَ أيْ قربتْ للمتقينَ عنِ الكفرِ والمعاصِي بحيثُ يشاهدُونَها من الموقفِ ويقفونَ عَلى ما فَيها من فنونِ المحاسنِ فيبتهجونَ بأنهُمْ محشورونَ إليَها فائزونَ بَها وقولُه تعالَى ﴿ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ تأكيدٌ للإزلافِ أيْ مكاناً غيرَ بعيدٍ بحيثُ يشاهدُونَها أوْ حالُ كونِها غيرَ بعيدٍ أيْ شيئاً غيرَ بعيدٍ ويجوزُ أنْ يكونَ التذكيرُ لكونِه على زنةِ المصدرِ الذي يستوِي في الوصفِ بهِ المذكرُ والمؤنثُ أوْ لتأويلِ الجنةِ بالبستانِ.
﴿ هذا مَا تُوعَدُونَ ﴾ إشارةٌ إِلى الجَنَّةِ، والتذكيرُ لَمَا أنَّ المشارَ إليهِ هُوَ المُسمَّى منْ غيرِ أنْ يخطرَ بالبالِ لفظٌ يدلُّ عليهِ فضلاً عنْ تذكيرِه وتأنيثِه فإنَّهُمَا منْ أحكامِ اللفظِ العربيِّ كَما مرَّ في وقولِه تعالَى :﴿ فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هذا رَبّى ﴾ وقولُه تعالَى :﴿ وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ ﴾ ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ لتذكيرِ الخبرِ، وقيلَ : هُو إشارةٌ إلى الثوابِ وقيلَ : إلى مصدرِ أزلفتْ وقُرِىءَ يُوعَدُونَ والجملةُ إمَّا اعتراضٌ بينَ البدلِ والمبدلِ مِنْهُ وإمَّا مقدرٌ بقولٍ هُوَ حالٌ منَ المتقينَ أو منَ الجنَّةِ والعاملُ أزلفتْ أيْ مقولاً لهُمْ أو مقولاً في حَقِّها هَذا ما توعدونَ ﴿ لِكُلّ أَوَّابٍ ﴾ أيْ رجّاع إلى الله تعالَى بدلٌ منْ المتقينَ بإعادةِ الجارِّ ﴿ حَفِيظٌ ﴾ حافظٌ لتوبتةِ من النقضِ وقيلَ : هُوَ الذَّي يحفظُ ذنوبَهُ حتَّى يرجعَ عنْهَا ويستغفرَ مِنْها وقيلَ : هُو الحافظُ لأوامرِ الله تعالَى وقيلَ : لِمَا استودَعَهُ الله تعالَى مِنْ حقوقِها.