الأول :﴿قليلاً﴾ منصوب على الظرف تقديره يهجعون قليلاً تقول قام بعض الليل فتنصب بعض على الظرف وخبر كان هو قوله :﴿يَهْجَعُونَ﴾ و ( ما ) زائدة هذا هو المشهور وفيه وجه آخر وهو أن يقال كانوا قليلاً، معناه نفي النوم عنهم وهذا منقول عن الضحاك ومقاتل، وأنكر الزمخشري كون ما نافية، وقال : لا يجوز أن تكون نافية لأن بعد ما لا يعمل فيما قبلها لا تقول زيداً ما ضربت ويجوز أن يعمل ما بعد لم فيما تقول زيداً لم أضرب، وسبب ذلك هو أن الفعل المتعدي إنما يفعل في النفي حملاً له على الإثبات لأنك إذا قلت ضرب زيد عمراً ثبت تعلق فعله بعمرو فإذا قلت ما ضربه لم يوجد منه فعل حتى يتعلق به ويتعدى إليه لكن المنفي محمول على الإثبات، فإذا ثبت هذا فالنفي بالنسبة إلى الإثبات كاسم الفاعل بالنسبة إلى الفعل فإنه يعمل عمل الفعل، لكن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل، فلا تقول زيد ضارب عمراً أمس، وتقول : زيد ضارب عمراً غداً واليوم والآن، لأن الماضي لم يبق موجوداً ولا متوقع الوجود فلا يتعلق بالمفعول حقيقة لكن الفعل لقوته يعمل واسم الفاعل لضعفه لم يعمل، إذا عرفت هذا فنقول ما ضرب للنفي في المضي فاجتمع فيه النفي والمضي فضعف، وأما لم أضرب وإن كان يقلب المستقبل إلى الماضي لكن الصيغة صيغة المستقبل فوجد فيه ما يوجد في قول القائل زيد ضارب عمراً غداً فاعمل هذا بيان قوله غير أن القائل بذلك القول يقول :﴿قَلِيلاً﴾ ليس منصوباً بقوله :﴿يَهْجَعُونَ﴾ وإنما ذلك خبر كانوا أي كانوا قليلين، ثم قال :﴿وَمِنَ الليل مَا يَهْجَعُونَ﴾ أي ما يهجعون أصلاً بل يحيون الليل جميعه ومن يكون لبيان الجنس لا للتبعيض، وهذا الوجه حينئذ فيه معنى قوله تعالى :﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم﴾ [ ص : ٢٤ ] وذلك لأنا ذكرنا أن قوله :﴿إِنَّ المتقين﴾ [ الذاريات : ١٦ ] فيه معنى الذين آمنوا، وقوله :﴿مُحْسِنِينَ﴾ فيه معنى الذين


الصفحة التالية
Icon