والثاني : وهو الأقرب أن هذه صفات أربع للرياح، فالذاريات هي الرياح التي تنشىء السحاب أولاً، والحاملات هي الرياح التي تحمل السحب التي هي بخار المياه التي إذا سحت جرت السيول العظيمة، وهي أوقار أثقل من جبال، والجاريات هي الرياح التي تجري بالسحب بعد حملها، والمقسمات هي الرياح التي تفرق الأمطار على الأقطار، ويحتمل أن يقال هذه أمور أربعة مذكورة في مقابلة أمور أربعة بها تتم الإعادة، وذلك لأن الأجزاء التي تفرقت بعضها في تخوم الأرضين، وبعضها في قعور البحور، وبعضها في جو الهواء، وهي الأجزاء اللطيفة البخارية التي تنفصل عن الأبدان، فقوله تعالى :﴿والذريات﴾ يعني الجامع للذاريات من الأرض، على أن الذارية هي التي تذرو التراب عن وجه الأرض، وقوله تعالى :﴿فالحاملات وِقْراً﴾ هي التي تجمع الأجزاء من الجو وتحمله حملاً، فإن التراب لا ترفعه الرياح حملاً، بل تنقله من موضع، وترميه في موضع بخلاف السحاب، فإنه يحمله وينقله في الجو حملاً لا يقع منه شيء، وقوله :﴿فالجاريات يُسْراً﴾ إشارة إلى الجامع من الماء، فإن من يجري السفن الثقيلة من تيار البحار إلى السواحل يقدر على نقل الأجزاء من البحر إلى البر، فإذا تبين أن الجمع من الأرض، وجو الهواء ووسط البحار ممكن، وإذا اجتمع يبقى نفخ الروح لكن الروح من أمر الله، كما قال تعالى :﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] فقال :﴿فالمقسمات أَمْراً﴾ الملائكة التي تنفخ الروح في الجسد بأمر الله، وإنما ذكرهم بالمقسمات، لأن الإنسان في الأجزاء الجسمية غير مخالف تخالفاً بيناً، فإن لكل أحد رأساً ورجلاً، والناس متقاربة في الأعداد والأقدار، لكن التفاوت الكثير في النفوس، فإن الشريفة والخسيسة بينهما غاية الخلاف، وتلك القسمة المتفاوتة تتقسم بمقسم مختار ومأمور مختار فقال :﴿فالمقسمات أَمْراً ﴾.
المسألة السابعة :