ولما كانت غاية الذرو التهيئة للحمل، قال مسبباً ومعقباً :﴿فالحاملات﴾ أي من السحب التي فرقت الريح أصلها وهو الأبخرة، وأطارته في الجو في جهة العلو ثم جمعته، فانعقد سحاباً فبسطه مع الالتئام فحمله الله ما أوجد فيه من مراده من الماء والصواعق وغيرها ﴿وقراً﴾ أي حملاً ثقيلاً، وقد كان قبل ذلك لا يرى شيء منه ولا من محموله، فتحققوا قدرة الله على كل ما يريد وإن لم تروا أسبابه، ولا يغرنكم بالله الغرور.
ولما كان الحمل إنما هو الوضع في الأماكن التي يراد ضرها أو نفعها، وكان سير الغمام بعد الحمل في ساحة الجو وباحة الأفق من غير ممسك يرى أدل على القدرة، ولا سيما إذا كان مع الجري الذي يضرب به لسرعته المثل، وكذا جري السفن في باحة البحر بعد ثقلها بالوسق قال :﴿فالجاريات يسراً﴾ أي جرياً ذا سهولة.
ولما كان في غاية الدلالة على تمام القدرة بغريق محمولها في الأراضي المجتاحة ولا سيما إن تباعدت أماكن صبه ومواطن سكبه، وكان ذلك التفريق هو غاية الجري المترتب على الحمل المترتب على الذرو، قال مسبباً معقباً مشيراً بالتفعيل، إلى غرابة فصلها لقطراتها وبداعة تفريقها لرحمتها من عذابها، وغير ذلك من أحوال الجاريات وتصريف الساريات :﴿فالمقسمات﴾ أي من السحب بما تصرفها فيه الملائكة عليهم السلام، وكذا السفن بما يصرفها الله به من الرياح اللينة أو العاصفة من سلامة وعطب وسرعة وإبطاء، وكذا غيرهما من كل أمر تصرفه الملائكة بين العباد وتقسمه.


الصفحة التالية
Icon