﴿ءاخِذِينَ﴾ حال وهو في معنى قول القائل يأخذون فكيف قال ما آتاهم ولم يقل ما يؤتيهم ليتفق اللفظان، ويوافق المعنى لأن قوله :﴿ءاتاهم﴾ ينبىء عن الانقراض وقوله :﴿يُؤْتِيهِمْ﴾ تنبيه على الدوام وإيتاء الله في الجنة كل يوم متجدد ولا نهاية له، ولا سيما إذا فسرنا الأخذ بالقبول، كيف يصح أن يقال فلان يقبل اليوم ما آتاه زيد أمس ؟ نقول : أما على ما ذكرنا من التفسير لا يرد لأن معناه يتملكون ما أعطاهم، وقد يوجد الإعطاء أمس ويتملك اليوم، وأما على ما ذكروه فنقول الله تعالى أعطى المؤمن الجنة وهو في الدنيا غير أنه لم يكن جنى ثمارها فهو يدخلها على هيئة الآخذ وربما يأخذ خيراً مما أتاه، ولا ينافي ذلك كونه داخلاً على تلك الهيئة، يقول القائل : جئتك خائفاً فإذا أنا آمن وما ذكرتم إنما يلزم أن لو كان أخذهم مقتصراً على ما آتاهم من قبل، وليس كذلك وإنما هم دخلوها على ذلك ولم يخطر ببالهم غيره فيؤتيهم الله ما لم يخطر ببالهم فيأخذون ما يؤتيهم الله وإن دخلوها ليأخذوا ما آتاهم، وقوله تعالى :﴿إِنَّ أصحاب الجنة اليوم فِى شُغُلٍ﴾ [ ياس : ٥٥ ] هو أخذهم ما آتاهم وقد ذكرناه في سورة ياس ( ٥٥ ).
المسألة الثالثة :
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ماذا ؟ نقول : يحتمل وجهين أحدهما : قبل دخولهم لأن قوله تعالى :﴿فِي جنات﴾ فيه معنى الدخول يعني قبل دخولهم الجنة أحسنوا ثانيهما : قبل إيتاء الله ما آتاهم الحسنى وهي الجنة فأخذوها، وفيه وجوه أُخر، وهو أن ذلك إشارة إلى يوم الدين وقد تقدم.
وأما اللطائف فقد سبق بعضها، ومنها أن قوله تعالى :﴿إِنَّ المتقين﴾ لما كان إشارة إلى التقوى من الشرك كان كأنه قال الذين آمنوا لكن الإيمان مع العمل الصالح يفيد سعادتين، ولذلك دلالة أتم من قول القائل أنهم أحسنوا.