ثالثها : أن يكون مفعول فعل محذوف تقديره نبلغك سلاماً، لا يقال على هذا إن المراد لو كان ذلك لعلم كونهم رسل الله عند السلام فما كان يقول :﴿قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ ولا كان يقرب إليهم الطعام، ولما قال :﴿نَكِرَهُمْ وأوجس﴾ [ هود : ٧٠ ] لأنا نقول جاز أن يقال إنهم قالوا : نبلغك سلاماً ولم يقولوا من الله تعالى إلى أن سألهم إبراهيم عليه السلام ممن تبلغون لي السلام، وذلك لأن الحكيم لا يأتي بالأمر العظيم إلا بالتدريج فلما كانت هيبتهم عظيمة، فلو ضموا إليه الأمر العظيم الذي هو السلام من الله تعالى لانزعج إبراهيم عليه السلام، ثم إن إبراهيم عليه السلام اشتغل بإكرامهم عن سؤالهم وآخر السؤال إلى حين الفراغ فنكرهم بين السلام والسؤال عمن منه السلام هذا وجه النصب، وأما الرفع فنقول يحتمل أن المراد منه السلام الذي هو التحية وهو المشهور أيضاً، وحينئذ يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره سلام عليكم، وكون المبتدأ نكرة يحتمل في قول القائل سلام عليكم وويل له، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره قال جوابه سلام، ويحتمل أن يكون المراد قولاً يسلم به أو ينبىء عن السلامة فيكون خبر مبتدأ محذوف تقديره أمري سلام بمعنى مسالمة لا تعلق بيني وبينكم لأني لا أعرفكم، أو يكون المبتدأ قولكم، وتقديره قولكم سلام ينبىء عن السلامة وأنتم قوم منكرون فما خطبكم فإن الأمر أشكل عليَّ وهذا ما يحتمل أن يقال في النصب والرفع، وأما الفرق فنقول أما على التفسير المشهور وهو أن السلام في الموضعين بمعنى التحية فنقول الفرق بينهما من حيث اللفظ ومن حيث المعنى.


الصفحة التالية
Icon