الوجه الآخر : هو أن القول إذا وقع من واحد وكان الغير به راضياً يقول القائل فعلنا كلنا كذا وإذا اجتمع جمع على فعل لا يقع إلا بالبعض، كما إذا خرج جم غفير وجمع كثير لقتل سبع وقتلوه يقال قتله أهل بلدة كذا لرضا الكل به وقصد الكل إليه، إذا عرفت هذا فالله تعالى كيفما أمر بفعل شيء لا يكون لأحد رده وكان كل واحد منقاداً له، يقول بدل فعلت فعلنا، ولهذا الملك العظيم أجمعنا بحيث لا ينكره أحد ولا يرده نفس، وقوله تعالى :﴿بِأَيْدٍ﴾ أي قوة والأيد القوة هذا هو المشهور وبه فسّر قوله تعالى :﴿ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ ص : ١٧ ] يحتمل أن يقال إن المراد جمع اليد، ودليله أنه قال تعالى :﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾ [ ص : ٧٥ ] وقال تعالى :﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما﴾ [ ياس : ٧١ ] وهو راجع في الحقيقة إلى المعنى الأول وعلى هذا فحيث قال :﴿خُلِقَتْ﴾ قال :﴿بِيَدَىَّ﴾ وحيث قال :﴿بِأَيْدٍ﴾ لمقابلة الجمع بالجمع، فإن قيل فلم لم يقل بنيناها بأيدينا وقال :﴿وما عملت أيدينا﴾ ؟ نقول لفائدة جليلة، وهي أن السماء لا يخطر ببال أحد أنها مخلوقة لغير الله والأنعام ليست كذلك، فقال هناك :﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ تصريحاً بأن الحيوان مخلوق لله تعالى من غير واسطة وكذلك ﴿خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾ وفي السماء ﴿بِأَيْدٍ﴾ من غير إضافة للاستغناء عنها وفيه لطيفة أخرى وهي أن هناك لما أثبت الإضافة بعد حذف الضمير العائد إلى المفعول، فلم يقل خلقته بيدي ولا قال عملته أيدينا وقال ههنا :﴿بنيناها﴾ لأن هناك لم يخطر ببال أحد أن الإنسان غير مخلوق وأن الحيوان غير معمول فلم يقل خلقته ولا عملته وأما السماء فبعض الجهال يزعم أنها غير مجعولة فقال :﴿بنيناها﴾ بعود الضمير تصريحاً بأنها مخلوقة.


الصفحة التالية
Icon