الرابعة : في تنوع الكلام فائدة وبيانها هو أن الله تعالى قال :﴿والسماء بنيناها﴾ [ الذاريات : ٤٧ ] ﴿والأرض فرشناها﴾ [ الذاريات : ٤٨ ] ﴿وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا﴾ [ الذاريات : ٤٩ ] ثم جعل الكلام للنبي عليه السلام وقال :﴿فَفِرُّواْ إِلَى الله إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ ولم يقل ففروا إلينا، وذلك لأن لاختلاف الكلام تأثيراً، وكذلك لاختلاف المتكلمين تأثيراً، ولهذا يكثر الإنسان من النصائح مع ولده الذي حاد عن الجادة، ويجعل الكلام مختلفاً، نوعاً ترغيباً ونوعاً ترهيباً، وتنبيهاً بالحكاية، ثم يقول لغيره تكلم معه لعلّ كلامك ينفع، لما في أذهان الناس أن اختلاف المتكلمين واختلاف الكلام كلاهما مؤثر، والله تعالى ذكر أنواعاً من الكلام وكثيراً من الاستدلالات والآيات وذكر طرفاً صالحاً من الحكايات، ثم ذكر كلاماً من متكلم آخر هو النبي ﷺ، ومن المفسرين من يقول تقديره فقل لهم ففروا وقوله :﴿إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ﴾ إشارة إلى الرسالة.
وفيه أيضاً لطائف.
إحداها : أن الله تعالى بيّن عظمته بقوله :﴿والسماء بنيناها﴾ ﴿والأرض فرشناها﴾ وهيبته بقوله :﴿فنبذناهم فِى اليم﴾ [ القصص : ٤٠ ] وقوله تعالى :﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم﴾ [ الذاريات : ٤٨ ] وقوله :﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة﴾ [ النساء : ١٥٣ ] وفيه إشارة إلى أنه تعالى إذا عذب قدر على أن يعذب بما به البقاء والوجود وهو التراب والماء والهواء والنار، فحكايات لوط تدل على أن التراب الذي منه الوجود والبقاء إذا أراد الله جعله سبب الفناء والماء كذلك في قوم فرعون والهواء في عاد والنار في ثمود، ولعلّ ترتيب الحكايات الأربع للترتيب الذي في العناصر الأربعة وقد ذكرنا في سورة العنكبوت شيئاً منه، ثم إذا أبان عظمته وهيبته قال لرسوله عرفهم الحال وقل أنا رسول بتقديم الآيات وسرد الحكايات فلإردافه بذكر الرسول فائدة.


الصفحة التالية
Icon