وأما من حيث المعنى : فذلك لأن إبراهيم عليه السلام أراد أن يرد عليهم بالأحسن، فأتى بالجملة الإسمية فإنها أدل على الدوام والاستمرار، فإن قولنا جلس زيد لا ينبىء عنه لأن الفعل لا بد فيه من الإنباء عن التجدد والحدوث ولهذا لو قلت : الله موجود الآن لأثبت العقل الدوام إذ لا ينبىء عن التجدد، ولو قال قائل : وجد الله الآن لكاد ينكره العاقل لما بينا فلما قالوا : سلاماً قال : سلام عليكم مستمر دائم، وأما على قولنا المراد القول ذو السلامة فظاهر الفرق، فإنهم قالوا قولاً ذا سلام، وقال لهم إبراهيم عليه السلام : سلام أي قولكم ذو سلام وأنتم قوم منكرون فالتبس الأمر عليّ، وإن قلنا المراد أمر مسالمة ومتاركة وهم سلموا عليه تسليماً، فنقول فيه جمع بين أمرين : تعظيم جانب الله، ورعاية قلب عباد الله، فإنه لو قال : سلام عليكم وهو لم يعلم كونهم من عباد الله الصالحين كان يجوز أن يكونوا على غير ذلك، فيكون الرسول قد أمنهم، فإن السلام أمان وأمان الرسول أمان المرسل فيكون فاعلاً للأمر من غير إذن الله نيابة عن الله فقال : أنتم سلمتم عليّ وأنا متوقف أمري متاركة لا تعلق بيننا إلى أن يتبين الحال ويدل على هذا هو أن الله تعالى قال :﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً﴾ [ الفرقان : ٦٣ ] وقال في مثل هذا المعنى للنبي ﷺ :


الصفحة التالية