هذه الحكاية بعينها هي المحكية في هود، وهناك قالوا :﴿أَنَّا أَرْسَلْنَا﴾ [ هود : ٧٠ ] بعد ما زال عنه الروع وبشروه، وهنا قالوا :﴿أَنَّا أَرْسَلْنَا﴾ بعدما سألهم عن الخطب، وأيضاً قالوا هناك :﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [ هود : ٧٠ ] وقالوا ههنا :﴿إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ والحكاية من قولهم، فإن لم يقولوا ذلك ورد السؤال أيضاً، فنقول إذا قال قائل حاكياً عن زيد : قال زيد عمرو خرج، ثم يقول مرة أخرى : قال زيد إن بكراً خرج، فإما أن يكون صدر من زيد قولان، وإما أن لا يكون حاكياً مما قاله زيد، والجواب عن الأول : هو أنه لما خاف جاز أنهم ما قالوا له ﴿لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ فلما قال لهم ماذا تفعلون بهم، كان لهم أن يقولوا :﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ لنهلكهم، كما يقول القائل : خرجت من البيت، فيقال : لماذا خرجت ؟ فيقول : خرجت لأتجر، لكن ههنا فائدة معنوية، وهي أنهم إنما قالوا في جواب ما خطبكم نهلكهم ؟ بأمر الله، لتعلم براءتهم عن إيلام البريء، وإهمال الرديء فأعادوا لفظ الإرسال، وأما عن الثاني : نقول الحكاية قد تكون حكاية اللفظ، كما تقول : قال زيد بعمرو مررت، فيحكي لفظه المحكي، وقد يكون حكاية لكلامه بمعناه تقول : زيد قال عمرو خرج، ولك أن تبدل مرة أخرى في غير تلك الحكاية بلفظة أخرى، فتقول لما قال زيد بكر خرج، قلت كيت وكيت، كذلك ههنا القرآن لفظ معجز، وما صدر ممن تقدم نبينا عليه السلام سواء كان منهم، وسواء كان منزلاً عليهم لم يكن لفظه معجزاً، فيلزم أن لا تكون هذه الحكايات بتلك الألفاظ، فكأنهم قالوا له :﴿إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ وقالوا :﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ وله أن يقول، إنا أرسلنا إلى قوم من آمن بك، لأنه لا يحكي لفظهم حتى يكون ذلك واحداً، بل يحكي كلامهم بمعناه