وقوله تعالى :﴿وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ﴾ أي ما استطاعوا الهزيمة والهرب، ومن لا يقدر عليه يقاتل وينتصر بكل ما يمكنه لأنه يدفع عن الروح وهم مع ذلك ما كانوا منتصرين، وقد عرفت أن قول القائل ما هو بمنتصر أبلغ من قوله ما انتصر ولا ينتصر والجواب ترك مع كونه يجب تقديره وقوله :( ما انتصر ) أي لشيء من شأنه ذلك، كما تقول فلان لا ينصر أو فلان ليس ينصر.
ثم قال تعالى :
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٤٦)
قرىء :﴿قَوْمٌ﴾ بالجر والنصب فما وجههما ؟ نقول : أما الجر فظاهر عطفاً على ما تقدم في قوله تعالى :﴿وَفِى عَادٍ﴾ [ الذاريات : ٤١ ] ﴿وَفِى موسى﴾ [ الذاريات : ٣٨ ]، تقول لك في فلان عبرة وفي فلان وفلان، وأما النصب فعلى تقدير : وأهلكنا قوم نوح من قبل، لأن ما تقدم دلّ على الهلاك فهو عطف على المحل، وعلى هذا فقوله :﴿مِن قَبْلُ﴾ معناه ظاهر كأنه يقول :( وأهلكنا قوم نوح من قبل ) وأما على الوجه الأول فتقديره : وفي قوم نوح لكم عبرة من قبل ثمود وعاد وغيرهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٨ صـ ١٨٩ ـ ١٩٣﴾